البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (60)

ولما امتثلوا ما أمروا به ، قال لهم على جهة التوبيخ والتقريع : { ألم أعهد إليكم } ؟ وقفهم على عهده إليهم ومخالفتهم إياه .

وعن الضحاك : لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى ، فعلى هذا معناه أن بعضهم من بعض .

وعن قتادة : اعتزلوا عن كل خير .

والعهد : الوصية ، عهد إليه إذا وصاه .

وعهد الله إليهم : ما ركز فيهم من أدلة العقل ، وأنزل إليهم من أدلة السمع .

وعبادة الشياطين : طاعته فيما يغويه ويزينه .

وقرأ الجمهور : أعهد ، بفتح الهمزة والهاء .

وقرأ طلحة ، والهذيل بن شرحبيل الكوفي : بكسر الهمزة ، قاله صاحب اللوامح ، وقال لغة تميم ، وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين حروف المضارعة ، يعني : نعهد وتعهد .

وقال ابن خالويه : ألم أعهد ؛ يحيى بن وثاب : ألم أحد ، تميم .

وقال ابن عطية : وقرأ الهذيل ابن وثاب : ألم أعهد ، بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء ، وهي على لغة من كسر أول المضارع سوى الياء .

وروي عن ابن وثاب : ألم أعهد ، بكسر الهاء ، يقال : عهد يعهد . انتهى .

وقوله : بكسر الميم والهمزة يعني أن كسر الميم يدل على كسر الهمزة ، لأن الحركة التي في الميم هي حركة نقل الهمزة المكسورة ، وحذفت الهمزة حين نقلت حركتها إلى الساكن قبلها وهو الميم .

اعهد بالهمزة المقطوعة المكسورة لفظاً ، لأن هذا لا يجوز .

وقال الزمخشري : وقرىء أعهد بكسر الهمزة ، وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء ؛ وأعهد بكسر الهاء .

وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم ، وضرب يضرب ، وأحهد بالحاء وأحد ، وهي لغة تميم ، ومنه قولهم : دحا محا . انتهى .

وقوله : إلا في الياء ، لغة لبعض كلب أنهم يكسرون أيضاً في الياء ، يقولون : هل يعلم ؟ وقوله : دحا محا ، يريدون دعها معها ، أدغموا العين في الحاء ،