نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (45)

ولما كان من عادة الغالب من{[29620]} أهل الدنيا أن يفوته آخر الجيوش وشُذّابهم{[29621]} لملل أصحابه من الطلب وضجرهم{[29622]} من النصب والتعب وقصورهم عن الإحاطة بجميع الأرب ، أخبر تعالى أن أخذه على غير{[29623]} ذلك ، وأن نيله للآخر{[29624]} كنيله للأول على حد سواء ، فقال مسبباً عن الأخذ الموصوف مشيراً بالبناء{[29625]} للمفعول إلى تمام القدرة ، وبالدابر إلى الاستئصال : { فقطع دابر } أي آخر { القوم الذين ظلموا } أي بوضع الشيء في غير موضعه دأب{[29626]} الماشي في الظلام ، {[29627]} وضعوا لقسوة موضع الرقة التي تدعو إليها الشدة ، ووضعوا الفرح بالنعمة موضع الخشية من الرد إلى الشدة ، كما ظلمتم أنتم بدعاء الأصنام وقت الرخاء وكان{[29628]} ذلك{[29629]} موضع دعاء من أفاض تلك النعم ، ودعوتم الله وقت الشدة وكان ذلك موضع دعاء{[29630]} من عبدتموه وقت الرخاء ، لئلا تقعوا{[29631]} فيما جرت عادتكم بالذم به .

وإن{[29632]} تكون كريهة{[29633]} أدعى لها *** وإذا يحاس الحيس{[29634]} يدعى جندب

ولما كان استئصالهم من أجل النعم على من عادوهم فيه من الرسل عليهم السلام وأتباعهم رضي الله عنهم ، نبه على ذلك بالجملة{[29635]} مع ما يشير إليه من ظهور الاستغناء المطلق فقال : { والحمد } أي قطع أمرهم كله والحال أن الإحاطة بأوصاف الكمال { لله } المتفرد{[29636]} بنعوت الجلال والجمال { رب العالمين * } الموجد لهم أجمعين ، أي له{[29637]} ذلك كله{[29638]} بعد فناء الخلق على أيّ صفة كانوا من إيمان أو كفر ، كما كان له ذلك قبل وجودهم وعند خلقهم على كل من حالتيهم - كما أشير إليه بأول السورة ، فكأنه قيل : الكمال لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، فقطع دابرهم ، والكمال له لم يتغير ، لأنه لا يزيده وجود موجود ، ولا ينقصه فقد مفقود ، فهو محمود حال الإعدام والمحق كما كان محموداً حال الإيجاد والخلق ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإنه لا يخرج{[29639]} شيء عن{[29640]} إيمانهم{[29641]} ولا كفرانهم عن إرادته سبحانه ، فلا عليك منهم اقترحوا{[29642]} الآيات أولا ، فإنه ليس عليك إلا البلاغ .


[29620]:سقط من ظ.
[29621]:في ظ: سداتهم- كذا.
[29622]:من ظ، وفي الأصل: صخرهم.
[29623]:سقط من ظ.
[29624]:سقط من ظ.
[29625]:في ظ: البناء.
[29626]:في ظ: ذات.
[29627]:سقط من ظ.
[29628]:في ظ: كل.
[29629]:من ظ، وفي الأصل: ذكر.
[29630]:زيد بعده في الأصل: أفاض، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[29631]:من ظ، وفي الأصل: لئلا تقعوا.
[29632]:من اللسان، وفي الأصل: يكون كريهته، وفي ظ: يكون كرتبة- كذا، والبيت لهنيّ بن أحمر الكناني، وقيل: هو لزرافة الباهلي.
[29633]:من اللسان، وفي الأصل: يكون كريهته، وفي ظ: يكون كرتبة- كذا، والبيت لهنيّ بن أحمر الكناني، وقيل: هو لزرافة الباهلي.
[29634]:من ظ واللسان، وفي الأصل: الحسين- كذا.
[29635]:من ظ، وفي الأصل: بالحد.
[29636]:سقط من ظ.
[29637]:في ظ: لهم.
[29638]:سقط من ظ.
[29639]:من ظ، وفي الأصل: بين من.
[29640]:من ظ، وفي الأصل: بين من.
[29641]:من ظ، وفي الأصل: بين من.
[29642]:في ظ: اجترحوا.