نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (55)

ولما انتفى عن أموالهم النفع الأخروي الذي هو النفع ، تسبب عن ذلك الزهد فيها الموجب لعدم الالتفات إليها وعدم اعتقاد أن فيها بركة ودلالة على خير ، فقال - مبيناً ما فيها من الفساد الذي يظن أنه صلاح : { فلا } - بفاء السبب ، فالسياق أبلغ من سياق الآتية بعد النهي عن الصلاة عليهم{[36546]} { تعجبك أموالهم{[36547]} } أي وإن أنفقوها في سبيلي وجهزوا بها الغزاة . فإن ذلك عن غير إخلاص منهم ولا حسن نية ولا جميل طوية ، وإنما هو لما أذلهم من عزة الإسلام وأخافهم من سطوة الانتقام فهو من جملة العذاب ، وعطف عليها الأولاد لمشاركتها لها{[36548]} في الملاذ والقوة والاستعمال في الجهاد ، فقال مؤكداً للنفي بإعادة النافي{[36549]} : { ولا أولادهم } فكأنه قيل : فماذا يراد بإعطائهم ذلك ؟ ولو منعوها وأعطيها المخلصون لكان قوة للدين ، فقال : { إنما يريد الله } أي يوقع الإرادة لهم بها الملك الذي له الإحاطة بجميع الحكمة كما أن له{[36550]} الإحاطة بتمام القدرة ، وأبلغ في الحصر بإدخال اللام{[36551]} في قوله : { ليعذبهم } أي لأجل أن يعذبهم { بها في الحياة } أي وإن كان يتراءى أنها لذيذة ، لأن ذلك من شأن الحياة فإنما هي لهم موت في الحقيقة { الدنيا } أي تارة بجمعها وتربيتها وتارة ببذلها كرهاً في سبيل الله أو في تزكيتها وتارة بغيرذلك { وتزهق } أي وإنما يريد بتمكينهم منا{[36552]} لأجل أن يخرج وقت الموت بغاية الصعوبة { أنفسهم } أي بسببها { وهم } أي والحال أنهم { كافرون* } أي عريقون في الكفر ، وهكذا كل من أراد استدراجه سبحانه فإنه في الغالب يكثر أموالهم وأولادهم لنحو هذا لأنهم إذ رأوا زيادتهم بها على بعض المخلصين ظنوا أن ذلك إنما هو لكرامتهم{[36553]} وحسن حالتهم {[36554]}فيستمرون عليها{[36555]} حتى يموتوا فهو سبحانه لم يرد بها منحتهم بل فتنتهم ومحنتهم ، وأما الدين فإن القادر يقويه بغير ذلك فيكون{[36556]} أظهر لدليله وأوضح{[36557]} لسبيله ؛ فالحاصل أنه ظهر لهم أنهم أكرموا بها وخفي عنهم أنها سبب لعذابهم في الحياة باتكالهم{[36558]} عليها ، وفي الممات بصعوبته عليهم{[36559]} المشار إليه بالزهوق ، وفي الآخرة بسبب موتهم على حال الكفر باستدراجهم بها{[36560]} ، وأما المؤمن فلا يموت حتى{[36561]} يرى من الثواب ما يسليه عن كل شيء فيشتاق إلى لقاء الله وتخرج نفسه وهو في غاية المحبة لخروجها لأن البدن عائق له عما يرى .


[36546]:راجع آية 85.
[36547]:من ظ والقرآن الكريم، وفي الأصل: أموالكم.
[36548]:زيد من ظ.
[36549]:في ظ: النفي.
[36550]:زيد من ظ.
[36551]:سقط من ظ.
[36552]:سقط من ظ.
[36553]:في ظ: لكرمتهم.
[36554]:من ظ، وفي الأصل: فيتشمرون عليهما.
[36555]:من ظ، وفي الأصل: فيتشمرون عليهما.
[36556]:في ظ: ليكون.
[36557]:من ظ، وفي الأصل: أصح.
[36558]:من ظ، وفي الأصل: بانكلابهم ـ كذا.
[36559]:في ظ: عليه.
[36560]:سقط من ظ.
[36561]:في ظ: فلا.