تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (55)

وقوله تعالى : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال بعضهم : هو على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : فلا تُعْجِبك أموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة وفي الحياة الدنيا . والتعذيب في الدنيا ، هو ما فُرض عليهم بالجهاد[ في الأصل وم : الجهاد ] ، وأمروا بالخروج للقتال ، فكان يشق ذلك عليهم ، ويشتد ، فذلك التعذيب لهم . وهو ما ذكر في آية أخرى : ( أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم )[ الأحزاب : 19 ] أو التعذيب في الدنيا ، هو القتل } يقتلون إن لم يخرجوا .

وفي الآية دلالة الرد على المعتزلة لأنهم يقولون : لا يُعطي [ الله ][ ساقطة من الأصل وم ] أحدا شيئا إلا ما هو أصلح له في الدين ، ثم قال لرسوله[ في الأصل وم : لرسول الله ] : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ) ولو كان لم يعطهم الأموال والأولاد إلا للخيرات والصلاح فذلك بعيد . فدل أنه قد يعطي خلقه ما ليس بأصلح لهم في الدين ، وكذلك في قوله : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ) ( نسارع لهم في الخيرات ) الآية[ المؤمنون : 55و56 ] دلالة الرد على قولهم لأنهم قال : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ) ( نسارع لهم في الخيرات ) ثم قال ( بل لا يشعرون )[ المؤمنون : 56 ] [ أن ما ][ في الأصل وم : أنه ] يمدهم به لا للخيرات . دل أنه قد يعطي خلقه ما ليس هو بأصلح لهم في الدين .

وفي قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) دلالة الرد عليهم أيضا لأنه أخبر أنه يعذبهم في الدنيا والآخرة ، ولا يعذبهم مجانا في ما لا يفعل لهم في ذلك . دل أن [ له صنعا ][ في الأصل وم : لهم صنع ] في ذلك ، وإنما يعذبهم بفعل اكتسبوه .

وفي قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) دلالة أن ليس كل ما يعطيهم ليرحمهم به ، ولكن يعطيهم لما عليهم منهم : فإن كان علم منهم أنهم يستعملون ما أعطاهم من الأموال وغيرها في ما فيه هلاكهم أعطاهم لذلك ، ومن علم منهم أنه يستعمله لنجاته أعطاه ليرحمه[ في الأصل وم : ليرحمهم ] به . فإنما أعطى كلا ما علم أن يكون منه[ في الأصل وم : منهم ] ؛ لأنه لو أعطاهم على غير ما علم منهم يكون[ أدرج في الأصل وم قبلها : أنه ] في إعطائه مخطئا .

وقوله تعالى : ( وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) قيل : تخرج ، وتهلك خوفا . قال أبو عوسجة : يقال : خرجت نفسه من فمه ، وقيل : تذهب ، وكذلك قال أبو عبيد ، تزهق أي تذهب[ في الأصل مم : ذهب ] .

وفي الآية دلالة إثبات رسالة رسول الله لأنه أخبر أن أنفسهم تزهق ( وهم كافرون ) فكان ما ذكر . دل أنه علم ذلك بالله .