الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (55)

قوله تعالى : { الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } : فيه وجهان أحدهما : أنه متعلق ب " تعجبك " ويكون قول { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا } جملةَ اعتراض والتقدير : فلا تعجبك في الحياة . ويجوز أن يكونَ الجارُّ حالاً من أموالهم . وإلى هذا نحا ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن قتيبة قالوا : في الكلام تقديمٌ وتأخير ، والمعنى : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد ليعذبهم بها في الآخرة . قال الشيخ : " إلا أنَّ تقييدَ الإِعجابِ المنهيَّ عنه الذي يكون ناشئاً عن أموالهم وأولادهم من المعلوم أنه لا يكون إلا في الحياة الدنيا ، فيبقى ذلك كأنه زيادة تأكيد ، بخلاف التعذيب فإنه قد يكون في الدنيا كما يكون في الآخرة ، ومع أن التقديمَ والتأخيرَ يخصُّه أصحابنا بالضرورة " . قلت : كيف يُقال مع نَصِّ مَنْ قَدَّمْتُ ذكرَهم : " أصحابنا يخصُّون ذلك بالضرورة " على أنه ليس من التقديم والتأخير الذي يكون في الضرورة في شيءٍ إنما هو اعتراض ، والاعتراض لا يقال فيه تقديم وتأخير بالاصطلاح الذي يُخَصُّ بالضرورة ، وتسميتهم أعني ابن عباس ومن معه رضي الله عنهم إنما يريدون فيه الاعتراضَ المشارَ إليه لا ما يخصه أهل الصناعة بالضرورة .

والثاني : أن " في الحياة " متعلقٌ بالتعذيب ، والمراد بالتعذيب الدنيويِّ مصائبُ الدنيا ورزاياها ، أو ما لزمهم من التكاليف الشاقة ، فإنهم لا يرجون عليها ثواباً . قاله ابن زيد ، أو ما فُرِض عليهم من الزكوات قاله الحسن ، وعلى هذا فالضمير في " بها " يعود على الأموال فقط ، وعلى الأول يعود على الأولاد والأموال .