الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (55)

ثم قال تعالى : { فلا تعجبك أموالهم }[ 55 ] .

أي : لا تعجبك ، يا محمد ، أموالهم ولا أولادهم ، إنما يريد الله ، يا محمد ليعذبهم بها في الآخرة{[28964]} .

وقوله : { في الحياة الدنيا }[ 55 ] ، يريد به التقديم . والمعنى : ولا تعجبك يا محمد ، أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة ، هذا قول ابن عباس ، وقتادة وغيرهما{[28965]} .

قال الحسن : ليس في الكلام تقديم ولا تأخير ، إنما المعنى : { إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } ، أي : بما ألزمهم فيها من أخذ الزكاة والنفقة في سبيل{[28966]} الله ، عز وجل ، وهو اختيار الطبري{[28967]} على معنى : أنهم يخرجونها تقية وخوفا ، ويقلقهم عزمها{[28968]} ، ويحزنهم خروجها من أيديهم ، فهي لهم عذاب .

وقال ابن زيد المعنى : { ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } ، أي : بالمصائب فيها ، فهي لهم إثم{[28969]} ، والمصائب للمؤمنين أجر{[28970]} .

{ وتزهق أنفسهم وهم كافرون }[ 55 ] .

أي : تخرج وهم على كفرهم{[28971]} .

قال أبو حاتم : { ولا أولادهم }[ 55 ] ، وقف كاف{[28972]} .

فمن قال : في الكلام تقديم وتأخير{[28973]} ، لم يجز الوقف{[28974]} .

ومن قال : ليس فيه تقديم ولا تأخير{[28975]} ، حسن الوقف على : { ولا{[28976]} أولادهم }{[28977]} . و{ في الحياة الدنيا } ، ليس بتمام ؛ لأن { وتزهق } ، معطوف عليه .


[28964]:جامع البيان 14/295، باختصار.
[28965]:انظر: معاني القرآن للفراء 1/442، وتأويل مشكل القرآن 208، وجامع البيان 14/295، 296، ومعاني القرآن للزجاج 2/454، وتفسير الماوردي 2/372، وزاد المسير 3/452، وتفسير القرطبي 8/104، 105، وفيه: "وهذا قول أكثر أهل العربية"، وتفسير ابن كثير 2/363، والبحر المحيط 5/55.
[28966]:التفسير 1/417، وجامع البيان 14/296، وتفسير ابن كثير 2/363، وفيه: "وهو القول القوي الحسن".
[28967]:قال الطبري، جامع البيان 14/296: "....لأن ذلك هو الظاهر من التنزيل، فصرف تأويله إلى ما دل عليه ظاهره، أولى من صرفه، إلى باطن لا دلالة على صحته. وإنما وجّه من وجه ذلك إلى التقديم وهو مؤخر؛ لأنه ذهب عنه توجيهه إلى أنه من عظيم العذاب عليه، إلزامه ما أوجب الله عليه فيها من حقوقه وفرائضه، إذ كان يلمه ويؤخذ منه وهو غير طيب النفس، ولا راج من الله جزاء، ولا من الأخذ من حمدا ولا شكرا، على ضجر منه وكُره". وهو كلام نفيس فاعقله. والضمير في {بها}، على قول الحسن، عائد على الأموال فقط، كما في المحرر الوجيز 3/45، وزاد المسير 3/453، والبحر المحيط 5/55.
[28968]:في الأصل: عرامها، وهو تحريف، وعزيمة الله فريضته التي افترضها، والجمع عزائم، المصباح/عزم.
[28969]:في الأصل: ءاثم.
[28970]:جامع البيان 14/296، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1813، بلفظ: "....فهي لهم عذاب، وهي للمؤمنين أجر".
[28971]:انظر: جامع البيان 14/297.
[28972]:القطع والإئتناف 363.
[28973]:انظر: من قال ذلك، فيما سلف قريبا، والمصادر هناك.
[28974]:فالقطع على هذا {في الحياة الدنيا}، كاف، كما في القطع والإئتناف 363.
[28975]:انظر: من قال ذلك، فيما سلف قريبا، والمصادر هناك.
[28976]:في المخطوطتين: أولادهم، وأثبت نص التلاوة.
[28977]:القطع والإئتناف 363.