فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَٰفِرُونَ} (55)

{ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم } الإعجاب بالشيء أن تسر به سرور راض به متعجب من حسنه ، قيل مع نوع من الافتخار به واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه ، وهذا المعنى إنما يناسب في إعجاب الشخص بمال نفسه ، يقال أعجب بماله أو ولده أي فرح به واغتر به ، وما هنا في إعجاب المرء بمال غيره ، والمعنى عليه لا تستحسن ما معهم من الأموال والأولاد ولا تحمدها ولا تخبر برضاك بها فهي استدراج ، وقيل يقال في الاستحسان أعجبني بالألف ، وفي الذم والإنكار عجبت ، وزان تعبت ، وهذا الخطاب وإن كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن يعم جميع المؤمنين .

{ إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } بما يحصل معهم من الغم والحزن عند أن يغنمها المسلمون ويأخذوها قسرا من أيديهم مع كونها زينة حياتهم وقرة أعينهم أو بما يلقون في جمعها من المشقة والمتاعب ، وفيها من المصائب ، ومنه قول العرب بلوغ الآمال في ركوب الأهوال .

والمؤمن قد علم أنه مخلوق للآخرة ، وإنه يثاب بالمصائب الحاصلة في الدنيا فلم يكن المال والولد في حقه عذابا في الدنيا ، وأما المنافق فإنه لا يعتقد كون الآخرة له ولا أن له فيها ثوابا فبقي ما يحصل له في الدنيا من التعب والحزن على المال والولد عذابا عليه في الدنيا ، فثبت بهذا الاعتبار أن المال والولد عذاب على المنافق في الدنيا دون المؤمن ، وكذا في الآخرة يعذبهم بعذاب النار بسبب عدم الشكر لربهم الذي أعطاهم ذلك وترك ما يجب عليهم من الزكاة فيها والتصدق بما يحق التصدق به .

وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة لأنهم المنافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون .

{ وتزهق أنفسهم وهم كافرون } الزهوق الخروج بصعوبة والمعنى أن الله يريد أن يزهق أنفسهم ويخرج أرواحهم حال كفرهم لعدم قبولهم لما جاءت به الأنبياء وأرسلت به الرسل ، وتصميمهم على الكفر وتماديهم في الضلالة ، قال الزمخشري : والمراد الاستدراج بالنعم كقوله : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } كأنه قيل ويريد أن يديم عليهم نعمه إلى أن يموتوا وهم كافرون مشغولون بالتمتع عن النظر للعاقبة .