فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ} (5)

{ بل } للانتقال من غرض إلى غرض آخر في المواضع الثلاثة وهي : { بل قالوا } و { بل افتراه } و { بل هو شاعر } ، كما ذكره ابن مالك في شرح كافيته ، من أنها لا تقع في القرآن إلا على هذا الوجه وسبقه إليه صاحب الوسيط ووافقه ابن الحاجب وهو الحق .

{ قالوا } الذي يأتي به من القرآن { أضغاث أحلام } أي أخلاط رآها في النوم . قاله الزجاج . وقال القتيبي : هي الرؤيا الكاذبة ، وقال اليزيدي : الأضغاث ما لم يكن له تأويل . قال قتادة : أي دقل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ، يعني أباطيل وأهاويل رآها في النوم .

{ بل افتراه } حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم أضغاث أحلام ، أي بل قالوا افتراه واختلقه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل . ثم حكى عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا : { بل هو شاعر } وما أتى به من جنس الشعر ، أي كلام يخيل للسامع معاني لا حقيقة لها ويرغبه فيها ، هذا هو المراد بالشعر هنا ، وفي هذا الإضراب منهم والتلون والتردد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه ، أو كانوا قد علموا أنه حق وأنه من عند الله ، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر ، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان .

ثم بعد هذا كله قالوا : { فليأتنا بآية } وهذا جواب شرط محذوف ، أي إن لم يكن كما قلنا بل كان رسولا من عند الله فليأتنا بآية إتيانا كائنا { كما أرسل الأولون } أي مثل ما أرسل موسى بالعصا وغيرها ، وصالح بالناقة وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت ، لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحونه لأعطاهم ذلك كما قال ، { ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون } . قال الزجاج : اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال فقال الله مجيبا لهم :