فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ} (5)

{ بَلْ قَالُوا أضغاث أَحْلاَمٍ } قال الزجاج : أي قالوا : الذي تأتي به أضغاث أحلام . قال القتيبي : أضغاث الأحلام الرؤيا الكاذبة . وقال اليزيدي : الأضغاث ما لم يكن له تأويل ، وهذا إضراب من جهة الله سبحانه حكاية لما وقع منهم ، وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية هذا القول . ثم حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم : أضغاث أحلام ، قال : { بَلِ افتراه } أي بل قالوا : افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل . ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا : { بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } وما أتى به من جنس الشعر ، وفي هذا الاضطراب منهم ، والتلوّن والتردّد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به ، لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه ؟ أو كانوا قد علموا أنه حق ، وأنه من عند الله ، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر ، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان . ثم بعد هذا كله ، قالوا : { فليأتنا بآية } وهذا جواب شرط محذوف أي : إن لم يكن كما قلنا : فليأتنا بآية { كَمَا أُرْسِلَ الأولون } أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها ، وصالح بالناقة ، ومحل الكاف الجرّ صفة لآية ، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف ، وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت ، لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي ، ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحوه لأعطاهم ذلك ، كما قال : { وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُم مُعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] قال الزجاج : اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال .

/خ9