تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ} (5)

الآية 5 : ثم أخبر عن سفههم وقلة نظرهم في قولهم وكلامهم وحفظهم عن التناقض ، فقال : { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر } في ما نسبوه إلى الشعر والسحر والافتراء وأنه أضغاث أحلام : تناقض في قولهم ، لأن السحر هو غير الافتراء ، والسحر غير أضغاث أحلام ، كل حرف من هذه الحروف التي نسبوها{[12537]} إليه يناقض الآخر ، ويبطله . فدل أنهم إنما قالوا ذلك ، ونسبوه إلى ما نسبوا متعنتين مكابرين لا عن معرفة علم قالوا ذلك . وتناقض{[12538]} قولهم وكلامهم ؛ إذ السحر لا يدوم ، ولا يبقى في وقت آخر .

فإذا عرفوا ، وعلموا أنه دائم ، ويبقى إلى آخر الدهر ، وكذلك ما قالوا من أضغاث أحلام ، والافتراء ، أعني ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ دام ، وبقي ، وأنه ] {[12539]} لو كان ما أتاهم به سحرا كان ذلك آية وعلامة على صدقه ونبوته ، لأن السحر لا يعرفه أحد إلا بالتعليم . فإذا رأوه أنشأ بين أظهرهم ، ولم يكن في قومه ساحر حتى يتعلم منه /337-أ/ ولا{[12540]} اختلف إلى أحد من السحرة يتعلم منه السحر ، ثم أتى به ، كان{[12541]} ذلك يدل على أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى .

فكيف وقد أتاهم بالحجج النيرة الواضحة والآيات المعجزة الخارجة عن وسع البشر وطوقهم ؟ لكنهم كابروا ، وعاندوا في ردها وتكذيبها ، والله الموفق .

وقوله تعالى : { فليأتنا بآية كما أرسل الأولون } قد علموا علم حقيقة أنه قد أتاهم بآيات وحجج ما لو تأملوا فيها ، ولم يكابروا ، لدلهم على صدقه ورسالته ، وقد عرفوا أنه صادق . لكنهم سألوا في قولهم : { فليأتنا بآية } الآية التي تنزل عند المكابرة والعناد ، وهي الآية التي نزلت في الأمم الخالية عند مكابرتهم الآيات والحجج ، وهي إهلاكهم واستئصالهم ؛ إذ من سنته وحكمه في الأولين الإهلاك والاستئصال عند مكابرتهم الآيات والحجج . وسنته وحكمه في هذه الأمة ختم النبوة بهم وإبقاء شريعة محمد ، صلوات الله عليه ، إلى الساعة .

وسنته في الأمم الماضية نسخ شرائعهم واستبدال أحكامهم . فإذا كان ما ذكرنا جعل وقت إهلاكهم الساعة ، وهو ما قال : { بل الساعة موعدهم } الآية[ القمر : 46 ] .


[12537]:في الأصل و م: نسبوه.
[12538]:في الأصل و م: إذ تناقض.
[12539]:في الأصل و م: بهم وبعد فإنه.
[12540]:من م، في الأصل: ولما.
[12541]:في الأصل و م: لكان.