التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجمعة

هذه السورة فصلان . في أولهما تنديد باليهود بسبب تفاخرهم باختصاص الله إياهم بالفضل على غيرهم وتكذيبهم وتحدّ لهم . وبيان ما كان من فضل الله على العرب الأميين في إرسال نبي منهم إليهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة . وفي ثانيهما تنديد بفريق من المسلمين كانوا يتركون النبي يوم الجمعة وهو يخطب ويخرجون من المسجد إذا ما رأوا لهوا أو تجارة . وحظر للبيع في قوت صلاة الجمعة . وإيجاب للسعي إليها . وإباحة ابتغاء فضل الله بالتجارة بعدها .

ولا يبدو تناسب موضوعي وظرفي بين فصلي السورة مع اقتصارها عليهما . ولا يبدو حكمة ذلك واضحة إلى أن يكون اليهود قد أنكروا بعث الله تعالى نبيا من الأميين ، ثم فاخروا المسلمين بأن توراتهم احتوت تحديد يوم لله من أيام الأسبوع ثم تفاخروا بأنهم هم وحدهم أولياء الله . فأوحى الله بفصول السورة على سبيل الرد والتنديد والتحدي . ولقد روى البخاري ومسلم حديثا عن أبي هريرة سنورده في سياق تفسير الآيات الأولى من السورة تفيد عبارته أن سورة الجمعة نزلت دفعة واحدة . وقد يدعم هذا ما خمنّاه وما هو نتيجة ذلك من ترابط فصلي السورة . والله تعالى أعلم .

وترتيب هذه السورة في ترتيب النزول الذي يرويه المصحف الذي اعتمدناه هو الرابع والعشرون . والتراتيب المروية الأخرى مقاربة لذلك{[1]} . مع أن محتوى السورة يدل على أنها نزلت في وقت كان في المدينة فيه فريق من اليهود ، وكانوا على شيء من القوة والاعتداد . ولما كان يهود بني قريظة هم آخر من بقي من اليهود في المدينة ، وقد نكّل النبي صلى الله عليه وسلم بهم في السنة الهجرية الخامسة بعد وقعة الخندق . وقد أشير إلى ذلك في سورة الأحزاب . فعلى أقل تقدير تكون سورة الجمعة قد نزلت قبل ذلك وبالتبعية قبل سورة الأحزاب . وهذا ما يبرر تقديم تفسيرها على هذه السورة . والله تعالى أعلم .

( 1 ) الأميين : الذين لا كتاب عندهم من الله . وهي هنا تعني العرب .

( 2 ) ولما يلحقوا بهم : الضمير في ( بهم ) عائد إلى الأميين موضوع الكلام في الآية الأولى كما تلهمه روح الآية وسياقها . وبخاصة كلمة ( منهم ) قبل الجملة .

بسم الله الرحمن الرحيم

/خ1


[1]:التاج جـ 5 ص 382.