التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَإِذَا رَأَوۡاْ تِجَٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوٓاْ إِلَيۡهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمٗاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (11)

/خ9

ختام السورة:

كلمة في حالة اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد

لقد قرأنا في كتاب مبادئ الفقه الإسلامي في العبادات للشيخ الفاضل محمد سعيد الوفي طبعة ثالثة الصفحة 89 حديثا : رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وابن ماجه عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في يوم جمعة كان يوم عيد أيضا : ( أيها الناس إن هذا اليوم قد اجتمع لكم فيه عيدان فمن أحبّ أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحبّ أن ينصرف فليفعل ) . ولم نجد هذا الحديث في كتاب التاج الجامع للكتب الخمسة التي منها كتاب أبي داود والنسائي . وإنما قرأنا حديثا قريبا منه في مجمع الزوائد هذا نصه : " عن ابن عمر قال : اجتمع عيدان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر وجمعة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد ، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال يا أيها الناس قد أصبتم خيرا وأجرا . وأنا مجمعون فمن أراد أن يجمع معنا فليجمع ، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع " . رواه الطبراني في الكبير من رواية إسماعيل بن إبراهيم التركي عن زياد بن راشد أبي محمد السماك ولم أجد من ترجمها . ومجمعون مأخوذ من الجمعة . وجملة ولم أجد من ترجمها لمؤلف الزوائد وعنى على الأغلب الراويين إسماعيل وزياد . ونقول تعليقا على ذلك : إن الإجابة لنداء الجمعة فرض قرآني واجتماع وصلاة العيد سنة . ولا يصح فيما يتبادر والله أعلم أن يستغني عن الفرض بالسنة مع عظم خطورة هذا الفرض وما ورد في تركه من أحاديث صحيحة عديدة أوردناها قبل قليل . . . حتى ولو قيل : إن الاستغناء هو عن حضور اجتماع وخطبة الجمعة ولا يعني سقوط صلاة الظهر . وهذا ما يجعلنا نتوقف في هذا الحديث إلا إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأناس لا يسمعون نداء الجمعة أو لا تجب عليهم لعذر ما ، والله تعالى أعلم .

استطراد إلى الأذان في الإسلام

إن تعبير { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } يعني الأذان وقد عبّر به بذلك في آية أخرى في سورة المائدة . وقد رأينا من المناسب أن نستطرد هنا فنقول : إن هناك بعض الآثار في أوليته وكيفيته . فهناك حديث يرويه الطبراني عن ابن عمر جاء فيه : " إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى السماء أوحي إليه بالأذان " {[1]} . وقال الطبراني : إن من رواة هذا الحديث طلحة بن زيد الذي ينسب إليه الوضع ، وكونه موضوعا واردا ؛ لأن مقتضاه أن يكون الأذان مكيا وهو ما لا يعقل لأن المسلمين كانوا في مكة ضعفاء وفي قلة ويجتمعون للصلاة سرّا . وفي طبقات ابن سعد روايات عن الزهري عن سعيد بن المسيب وفي موطأ مالك حديث عن يحيى بن سعيد . ويستفاد منهما أنه كان ينادي منادي النبي الصلاة جامعة فيجتمع الناس ، فلما صرفت القبلة نحو الكعبة أمر بالأذان ، وهذا يفيد أنه كان في العهد المدني وهو الأوجه الأرجح . ومما ذكرته روايات أن النبي قد أهمّه هذا الأمر فاقترح بعضهم الضرب بخشبتين وبعضهم الضرب بالبوق وبعضهم الضرب بناقوس . فينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد الخزرجي في منامه رجلا مرّ وعليه ثوبان خضراوان وفي يده ناقوس فسأله أن يبيعه له فقال له : ماذا تريد به ؟ فقال : لجمع الناس للصلاة . فقال له : أنا أحدثك بخير من ذلك تقولون : الله أكبر . أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة ، حي على الفلاح . الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله . فلما أفاق أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له : قم مع بلال فالق عليه ما قيل لك ، وليؤذن بذلك ففعل . وجاء عمر فقال : رأيت مثل الذي رأى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلله الحمد فذلك أثبت . وفي رواية أن مما ألقي عليهما جملة ( الصلاة خير من النوم ) لأذان الصبح " {[2]} .

ومهما يكن من أمر فإن هناك حديثا رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي محذوفة أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه الأذان والإقامة . وصيغة الأذان هي : الله أكبر . الله أكبر . الله أكبر . الله أكبر . زاد في رواية ترفع صوتك فيها ثم تقول : أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله . أشهد أن محمدا رسول الله . زاد في رواية تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة : أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله . أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة . حي على الصلاة . حي على الفلاح . حي على الفلاح . فإن كان لصلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم . الصلاة خير من النوم . الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله . وصيغة الإقامة بعد حي على الفلاح قد قامت الصلاة . قد قامت الصلاة . الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله " {[3]} . وهناك حديث يرويه الخمسة عن أنس قال : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة " {[4]} . وهناك حديث يرويه الطبراني عن بلال : " أنه كان يؤذن للصبح فيقول : حي على خير العمل فأمره رسول الله أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم " . ونبه الطبراني على أن أحد رواة هذا الحديث ضعيف . وتبقى جملة ( الصلاة خير من النوم ){[5]} من تعليم النبي الأول على ما جاء في الحديث الأول . وهناك حديث رواه الخمسة عن أبي جحيفة قال : " رأيت بلالا يؤذن ويدور ، ويتبع فاه ههنا وههنا وأصبعاه في أذنيه ، ورسول الله في قبة حمراء من آدم " {[6]} . وفي رواية " لما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر " {[7]} .

وهناك حديث رواه الخمسة عن أبي سعيد قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " {[8]} . وزاد غير البخاري " ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشرا . ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تبتغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت له الشفاعة " {[9]} .

وهناك حديث رواه الخمسة إلا مسلما عن جابر قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال حين سمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة " . وهناك حديث رواه أصحاب السنن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يردّ الدعاء بين الأذان والإقامة ){[10]} . وحديث رواه أبو داود جاء فيه : " قال رجل يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا . فقال : قل كما يقولون ، فإذا انتهيت فسل تعطه " {[11]} .

والأذان الإسلامي فريد رائع في بابه . وفيه هتاف متكرر بأعلى الصوت على ملأ الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ونحلهم بأن الله أكبر من كل شيء فتمتلئ النفس المؤمنة قوة بذلك واستغناء عن غير الله واستصغارا لغير الله . وفيه دعوة متكررة إلى الفلاح والنجاح بالصلاة والتي يعبد بها المؤمن ربّه الأكبر عبادة خاضعة فيتلو فيها قرآنه المجيد ويسبح باسمه ويحمده على نعمه ويلتمس منه الرشد والهداية بالإضافة إلى الشهادة المتكررة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي شاء الله أن يكون خاتم أنبيائه وأن يكون الدين الذي جاء به دين الإنسانية جميعا . ويتكرر هذا كل يوم خمس مرات ليلا ونهارا في جميع أقطار الدنيا التي ينتشر فيها المسلمون .

والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين .


[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[3]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[4]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[5]:انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري
[6]:تفسير الخازن
[7]:التاج ج 2 ص 300 والمقصود أن الحمو هو غير المحرم من أقارب الزوج.
[8]:التاج ج 2 ص 301
[9]:التاج ج 2 ص 301
[10]:المصدر نفسه ص 300
[11]:المصدر نفسه ص 287