الآية 1 قوله تعالى : { يسبح لله ما في السماوات وما في لأرض } قال : { يسبح لله } ولم يقل : يسبح الله ؛ وقد جرت [ العادة ]{[21189]} في الناس التسبيح بالألف كقولهم : سبحان الله ، وسبحان ربي العظيم . فكان حق هذا القول على ما جرت به العادة في اللسان أن يقول : يسبح الله ما في السماوات وما في الأرض .
ولكنه يجوز أن يكون هذا من نوع ما يجري فيه اللفظان جميعا كما يقال : شكره ، وشكر له ، ونصحه ، ونصح له والتسبيح يحتمل أوجها ثلاثة :
أحدها : تسبيح الخلقة : أنك إذا نظرت إلى كل شيء على الإشارة إليه والتعيين دلك جوهره وخلقته على /568- أ/ وحدانية الله تعالى وعلى تعاليه عن الأشياء وبراءته من جميع العيوب والآفات ، فدلك من كل شيء تسبيحه
والثاني : تسبيح المعرفة ؛ ووجه ذلك أن يجعل الله تعالى بلطفه في كل شيء حقيقة المعرفة ليعرف الله ، وينزه{[21190]} وإن كان لا تبلغه عقولنا .
ألا ترى إلى قوله { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ؟ [ الإسراء : 44 ] .
ولكن عندنا بواسطة إحداث نوع حياة فيه ؛ إذ المعرفة بدون الحياة ، لا تتحقق .
والوجه الثالث : هو أن يكون التسبيح تسبيح ضرورة وتلقين ؛ ووجهه أن الله تعالى يجري التسبيح على ذلك الجوهر من غير أن تكون له حقيقة المعرفة كما أظهر من آياته وأعلامه على عصا موسى ، وكما أجرى السفينة على وجه الماء ، وإن لم يكن لهما حقيقة المعرفة ، وذلك تسبيح كل شيء ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { الملك } يعني الملك الذي له ملك الملوك ، والذي له الملك في الحقيقة .
وقوله تعالى : { القدوس } له تأويلان :
أحدهما : الطاهر من كل عيب وآفة وحاجة ، والطاهر مما يحتمله غيره .
والثاني : المبارك ؛ يعني به تنال كل بركة وخير ، ويجوز أن يجمع في المبارك معنى التنزيه من العيوب ومعنى البركة ، لأنك إذا [ وصفته بالبركة فقد ]{[21191]} وصفته بالبراءة من كل عيب ، وأضفت إليه كل بركة ويمن .
كما روي في الخبر أن قوله [ صلى الله عليه وسلم ]{[21192]} : ( سبحان الله نصف الميزان ، والحمد لله ملء الميزان . . . ) [ أحمد4/ 260 ] .
وكان معناهما عندنا : أن قوله : ( سبحان الله ) يختص بتبرئته من العيوب ، ( والحمد لله ) ينتظم معنى التنزيه من العيوب ومعنى إضافة النعم كلها إليه . فإذا كان فيه هذان المعنيان جميعا جاز أن يمتلئ به الميزان . ولما اختص : ( سبحان الله ) بتطهيره من العيوب ، ولم يتعده إلى غيره أخذ نصف الميزان ، والله أعلم .
وكذلك هذا الاختلاف في تأويل قوله : { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } [ المائدة : 21 ] .
وقوله تعالى : { العزيز الحكيم } : { العزيز } يعني الغالب القاهر ، لا يعجزه شيء ، أو يجوز أن يكون { العزيز } مقابل الذليل [ والذليل ]{[21193]} ينتظم كل فقر وحاجة وضعف ، فالواجب أن ينتظم العزيز ، إذا كان ضدا له ومقابلا كل شرف ومكرمة وغنى وقوة ، والله الموفق .
و{ الحكيم } قالوا : هو الذي يضع الأشياء مواضعها ؛ فالله تعالى حكيم حين{[21194]} وضع الأشياء مواضعها التي جعلها الله مواضع لها ، أو{ الحكيم } هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير ، وهو معنى المصيب أيضا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.