معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَيۡهِمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (31)

وقوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنا 31 } .

( كَمْ ) في موضع نصب من مكانين : أحدهما أَن توقع { يَرَوْا } على { كَمْ } ، وهي في قراءة عبد الله : ( ألم يروا مَن أهلكنا ) فهذا وجه . والآخر أن توقع { أهلكنا } على ( كم ) وتجعله استفهاما . كما تقول : علمت كم ضربتَ غلامك . وإذا كان قبل مَن وأي وكم رَأيْت وما اشتُقّ منها ، أو العِلْمُ وما اشتقّ منه وما أشبَه معناهما ، جَازَ أن توقع ما بعدكم وأي ومن وأشباهها عَلَيها ، كما قَالَ الله : { لِنَعْلَمَ أي الحِزْبَيْنِ أحْصَى } ألا ترى أنك قد أبطلت العلم عن وقوعه على أي ، ورفعت أيّا بأحصى . فكذلك تنصبُها بفعل لو وقع عليها .

وقوله : { أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ } فُتحت ألفها ؛ لأن المعْنَى : أَلم يروا أنهم إليهم لا يرجعون . وقد كسرها الحسن البصري ، كأنه لم يوقع الرؤية على ( كم ) فلم يوقعها على ( أنّ ) وإنْ شئت كسرتها على الاسْتِئناف وجَعَلت كم مَنصوبَةً بوقوع يروا عليها .