معاني القرآن للفراء - الفراء  
{إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ} (17)

وقوله : { بَلَوْناهُمْ } .

بلونا أهل مكة كما بلونا أصحاب الجنة ، وهم قوم من أهل اليمن كان لرجل منهم زرع ، ونخل ، وكرم ، وكان يترك للمساكين من زرعه ما أخطأه المنجل ، ومن النخل ما سقط على البسط ، ومن الكرم ما أخطأه القطاف . كان ذلك يرتفع إلى شيء كثير ، ويعيش فيه اليتامى والأرامل والمساكين فمات الرجل ، وله بنون ثلاثة ؛ فقالوا : كان أبونا يفعل ذلك ، والمال كثير ، والعيال قليل ، فأما إِذ كثر العيال ، وقلّ المال فإنا ندع ذلك ، ثم تآمروا أن يصرموا في سَدَف : في ظلمة باقية من الليل لئلا يبقى للمساكين شيء ، فسلط الله على مالهم نارا فأحرقته ، فغَدوا على مالهم ليصرموه ، فلم يروا شيئا إلا سوادا ؛ فقالوا : «إنا لضالُّون » ، ما هذا بمالنا ، ثم قال بعضهم : بل هو مالنا حرمناه بما صنعنا بالأرامل والمساكين ، وكانوا قد أقسموا ليصرمنها أول الصباح ، ولم يستثنوا : لم يقولوا : إن شاء الله ، فقال أخ لهم أوسطهم ، أعدلهم قولا : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحون ؟ فالتسبيح ها هنا في معنى الاستثناء ، وهو كَقوله : { واذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } .