معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (32)

وقوله : { قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ }

في ( الحق ) النصب والرفع ؛ إن جعلت ( هو ) اسما رفعت الحق بهو . وإن جعلتها عمادا بمنزلة الصلة نصبت الحق . وكذلك فافعل في أخوات كان ، وأظنّ وأخواتها ؛ كما قال الله تبارك وتعالى { ويرى الذِين أوتوا العِلم الذي أنزِل إليك مِن ربك هو الحق } تنصب الحق لأن ( رأيت ) من أخوات ظننت . وكل موضع صلحت فيه يفعل أو فعل مكان الفعل المنصوب ففيه العماد ونصب الفعل . وفيه رفعه بهو على أن تجعلها اسما ، ولا بدّ من الألف واللام إذا وجدت إليهما السبيل . فإذا قلت : وجدت عبد الله هو خيرا منك وشرا منك أو أفضل منك ، ففيما أشبه هذا الفعل النصب والرفع . النصب على أن ينوى الألف واللام ، وإن لم يكن إدخالهما . والرفع على أن تجعل ( هو ) اسما ؛ فتقول : ظننت أخاك هو أصغُر منك وهو أصغرَ منك . وإذا جئت إلى الأسماء الموضوعة مثل عمرو ، ومحمد ، أو المضافة مثل أبيك ، وأخيك رفعتها ، فقلت : أظنّ زيدا هو أخوك ، وأظنّ أخاك هو زيد ، فرفعت ؛ إذا لم تأت بعلامة المردود ، وأتيت بهو التي هي علامة الاسم ، وعلامة المردود أن يرجع كل فعل لم تكن فيه ألف ولام بألف ولام ويرجع على الاسم فيكون ( هو ) عمادا للاسم و( الألف واللام ) عماد للفعل . فلما لم يُقدَر على الألف واللام ولم يصلح أن تُنويا في زيد لأنه فلان ، ولا في الأخ لأنه مضاف ، آثروا الرفع ؛ وصلح في ( أفضل منك ) لأنك تلقى ( من ) فتقول : رأيتك أنت الأفضل ، ولا يصلح ذلك في ( زيد ) ولا في ( الأخ ) أن تنوى فيهما ألفا ولاما . وكان الكسائي يجيز ذلك فيقول : رأيت أخاك هو زيدا ، ورأيت زيدا هو أخاك . وهو جائز كما جاز في ( أفضل ) للنية نية الألف واللام . وكذلك جاز في زيد ، وأخيك . وإذا أمكنتك الألف واللام ثم لم تأت بهما فارفع ؛ فتقول : رأيت زيدا هو قائم ورأيت عمرا هو جالس . وقال الشاعر :

إجِدَّك لن تزال نجِىَّ هَمّ *** تبيت الليل أنت له ضجيع

ويجوز النصب في ( ليت ) بالعماد ، والرفع لمن قال : ليتك قائما . أنشدني الكسائي :

ليت الشباب هو الرجيع على الفتى *** والشيب كان هو البدئُ الأوّل

ونصب في ( ليت ) على العماد ورفع في كان على الاسم . والمعرفة والنكرة في هذا سواء .