السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةٗ وَأَمۡوَٰلٗا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَۖ رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (88)

{ و } لهذا السبب { قال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه } أي : أشراف قومه على ما هم عليه من الكفر والكبر { زينة } أي : عظيمة يتزينون بها من الحلية واللباس وغيرهما من الدواب والغلمان وأثاث البيت الفاخر ونحو ذلك . { وأموالاً } أي : كثيرة من الذهب والفضة وغيرهما { في الحياة الدنيا } روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت ، ثم بيّن غايتها لهم فقال مفتتحاً بالنداء باسم الرب : ليعيذه وأتباعه من مثل حالهم . { ربنا } أي : يا ربنا آتيتهم ذلك { ليضلوا } أي : في خاصة أنفسهم ويضلوا غيرهم { عن سبيلك } أي : دينك واللام للعاقبة وهي متعلقة بآتيت كقوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزناً } [ القصص ، 8 ] وقيل : لام كي ، أي : آتيتهم كي تفتنهم . وقيل : هو دعاء عليهم بما علم من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون غير ذلك . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بضم الياء والباقون بالفتح { ربنا اطمس على أموالهم } أي : امسخها وغيرها عن هيئتها . قال قتادة : صارت أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم حجارة . وقال محمد بن كعب : جعل سكرهم حجارة . وقال ابن عباس : بلغنا أنّ الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحاً وأنصافاً وأثلاثاً وأرباعاً ، ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا آل فرعون ، فأخرج منها البيضة مشقوقة والجوزة مشقوقة ، وإنها كالحجر . قال السدّي : مسخ الله تعالى أموالهم حجارة والنخيل والثمار والدقيق والأطعمة فكانت إحدى الآيات التسع { واشدد على قلوبهم } أي : اطبع عليها واستوثق حتى لا تنشرح للإيمان وقوله : { فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } جواب للدعاء ، أو دعاء بلفظ النهي أو عطف على ليضلوا ، وما بينهما دعاء معترض .