{ و } لما بلغ موسى عليه السلام في إظهار المعجزات وإقامة الحجج البينات ولم يكن لذلك تأثير فيمن أرسل إليهم ، دعا عليهم بعد أن بين سبب إصرارهم على الكفر وتمسكهم بالجحود والعناد { قال موسى } مبينا للسبب أولا { ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا } قد تقدم أن الملأ هم الأشراف والزينة اسم لكل ما يتزين به من ملبوس ومركوب وحلية وفراش وسلاح وغير ذلك والمال ما زاد على هذه الأشياء من الصامت ونحوه .
ثم كرر النداء للتأكيد فقال { ربنا ليضلوا عن سبيلك } قال الخليل وسيبويه : إنها لام العاقبة والصيرورة والمعنى أنها لما كان عاقبة أمرهم الضلال صار كأنه سبحانه أعطاهم ما أعطاهم من النعم ليضلوا وقيل إنها لام كي قاله الفراء : أي أعطيتهم لكي يضلوا وقال قوم إن المعنى أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا فحذفت لا ، كما قال سبحانه { يبين الله لكم أن تضلوا } .
قال النحاس : ظاهر هذا الجواب حسن إلا أن العرب لا تحذف لا إلا مع أن فموه صاحب هذا التأويل بالاستدلال بقوله تعالى المتقدم وقيل اللام للدعاء عليهم والمعنى إبتلهم بالهلاك عن سبيلك قاله ابن الأنباري واستدل بقوله سبحانه بعد هذا { اطمس واشدد } وإليه ذهب الحسن البصري ، وقيل إنها لام العلة والمعنى أنك آتيتهم ما آتيتهم على سبيل الاستدراج فكان الإيتاء لهذه العلة .
وقد أطال صاحب الكشاف في تقرير هذا بما لا طائل تحته والقول الأول هو الأولى ، وقرئ ليضلوا بضم الياء أي يوقعوا الإضلال على غيرهم وقرأ الباقون بالفتح أي يضلون في أنفسهم .
{ ربنا اطمس على أموالهم } أي امسخها وأزل صورها قال الزجاج : طمس الشيء إذهابه عن صورته وإزالة أثر الشيء بالمحو . قال مجاهد : أهلكها وقال أكثر المفسرين أمسخها وغيرها عن هيئاتها والمعنى الدعاء عليهم بأن يمحق الله أموالهم ويهلكها .
وقرئ بضم الميم من { اطمس } وقد روي عن قتادة أن أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم ودراهمهم ودنانيرهم تحولت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا . قيل إن عمر ابن عبد العزيز دعا بخريطة فيها شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة منقوشة والجوزة مشقوقة وهي حجارة .
قال السدي : مسخ الله أموالهم حجارة والنخل والثمار والدقيق والأطعمة وقال القرظي :صارت صورهم حجارة وفيه ضعف لأن موسى دعا على أموالهم ولم يدع على أنفسهم بالمسخ ، وهذا الطمس هو أحد الآيات التسع التي أوتيها موسى عليه السلام .
{ واشدد على قلوبهم } أي اربط عليها واجعلها قاسية مطبوعة حتى لا تقبل الحق ولا تنشرح للإيمان ولا تلين قال الواحدي : وهذا دليل على أن الله تعالى يفعل ذلك لمن يشاء ، ولولا ذلك لما جسر موسى على هذا السؤال .
{ فلا يؤمنوا } أي آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا قاله المبرد والزجاج ، وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة : هو دعاء بلفظ النهي والتقدير ، اللهم فلا يؤمنوا . وقال الأخفش : أنه جواب الأمر أي اطمس واشدد فلا يؤمنوا { حتى يروا العذاب الأليم } أي فلا يحصل منهم الإيمان إلا مع المعاينة لا يعذبهم الله به وعند ذلك لا ينفع إيمانهم قال ابن عباس العذاب هو الغرق .
وقد استشكل بعض أهل العلم ما في هذه الآية من الدعاء على هؤلاء وقال : إن الرسل إنما تطلب هداية قومهم وإيمانهم وأجيب بأنه لا يجوز لنبي أن يدعو على قومه إلا بإذن الله سبحانه وإنما يأذن الله بذلك لعلمه بأنه ليس فيهم من يؤمن ولهذا لما أعلم الله نوحا عليه السلام بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.