تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةٗ وَأَمۡوَٰلٗا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَۖ رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ} (88)

وقوله تعالى : ( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً ) يحتمل قوله ( زينة ) من أنواع ما آتاهم من الأنزال والنبات كقوله : ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت )[ يونس : 24 ] ونحوه . ويحتمل الزينة التي كانوا يتزينون بها من المراكب والملبس وما يتحلون بها من أنواع الحلي وأموال كثيرة سوى ذلك .

وقوله تعالى : ( رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا ) قالت المعتزلة : تأويل قوله : ( رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ) أي آتاهم لئلا يضلوا الناس عن سبيله ، ولكن أضلوهم ، وقالوا : هذا كما يقال : لم يك هذا كذا [ لتفعل كذا ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ، ولكن فعلت ، ونحوه من الكلام .

ولكن عندنا هو ما ذكرنا : هي[ في الأصل وم : هم ] الأموال ، وما ذكر : ( ليضلوا عن سبيلك ) لأنه إذا علم أنهم يضلون الناس عن سبيله ما آتاهم ليضلوا ، وهو كما ذكرنا في قوله : ( إنما نمل لهم ليزدادوا إثما )[ آل عمران : 178 ] وقوله : ( نسارع لهم في الخيرات )الآية[ المؤمنون : 56 ] وأمثاله كذا[ في الأصل وم : فكذا ] ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يحتمل هذا وجهين :

أحدهما[ في الأصل وم : يحتمل ] : أي ( اطمس على أموالهم ) واجعل في قلوبهم قساوة وغلظة ، تنفر الأتباع ومن يقلد من أتباعهم[ أدرج بعدها في الأصل وم : وتقليدهم ] فيكون ذلك أهون علينا في استنقاذ الأتباع وأدعى إلى الإيمان ؛ أعني بالأتباع[ الباء ساقطة من الأصل وم ] من يقلدهم ، ويكون ذلك سببا لإبعادهم عن أتباعهم وتقليدهم إياهم ، هذا وجه .

والثاني : قوله : ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) أي اجعل ذلك آية تضطرهم إلى الإيمان ، فإنهم لم يؤمنوا بالآيات التي أرسلها عليهم من الطوفان والجراد وما ذكر من البلايا . فيكون قوله : ( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) هذا من طمس الأموال وقساوة القلوب وشدتها ، والله أعلم .

قال بعض أهل التأويل : ( واشدد على قلوبهم ) واطبعها ( فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ) وهو الغرق ، عند ذلك يؤمنون . أما بهذه الآيات فلا يحتمل إذا كان عز وجل أخبر أنهم لا يؤمنون ، فيسع له هذا الدعاء . وأما من قبل أن يخبره بذلك فلا يسع له أن يدعو بهذا ، وهو إنما أرسله عليهم ليدعوهم إلى الإيمان .

والطمس : قال أبو عوسجة : هو الذهاب بها ، أي اذهب بها . قال القتبي : قوله : ( ربنا اطمس على أموالهم ) أي أهلكمها ، وهو من قولك : طمس الطريق ؛ إذا عفا ، ودرس . وقال غيره : الطمس هو المسخ ، وهو[ في الأصل وم : و ] كقوله : ( لطمسنا على أعينهم )[ يس : 66 ] أي مسخناهم ، وقال بعضهم : الطمس هو التغيير عن جوهرها . دعا موسى بهذا الدعاء بالأمر [ وهو ][ ساقطة من الأصل وم ] آيس من إيمانهم ، وهو كقول نوح : ( لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك )الآية[ نوح : 26و27 ] عند الإياس منهم . فعلى ذلك موسى ، والله أعلم .