الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ هَلۡ ءَامَنُكُمۡ عَلَيۡهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمۡ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبۡلُ فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظٗاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّـٰحِمِينَ} (64)

قوله تعالى : { إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ } : منصوبٌ على نعتِ مصدرٍ محذوف أو على الحال منه ، أي : ائتماناً كائتِماني لكم على أخيه ، شبَّه ائتِمانَه لهم على هذا بائتمانِه على ذلك . و " من قبلُ " متعلق ب " أمِنْتُكم " .

قوله : { فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } قرأ الأخَوان وحفص " حافظاً " وفيه وجهان ، أظهرهما : أنه تمييز ، قال أبو البقاء : " ومثل هذا يجوز إضافته " . قلت : قد قرأ بذلك الأعمش : { فاللَّه خيرُ حافظٍ } ، واللَّه تعالى متَّصِفٌ بأنَّ حِفْظَه يزيد على حِفْظِ غيرِه كقولك : هو أفضل عالم . والثاني : أنه حال ، ذكر ذلك الزمخشري وأبو البقاء وغيرُهما . قال الشيخ وقد نقله عن الزمخشري وحده : " وليس بجيد ؛ لأنَّ فيه تقييدَ { خير } بهذه الحال " . قلت : ولا محذورَ فإن هذه الحالَ لازمةٌ لأنها مؤكدةٌ لا مبيِّنَة ، وليس هذا بأولِ حالٍ وَرَدَتْ لازمةً .

وقرأ الباقون " حِفْظاً " ، ولم يُجيزوا فيها غير التمييز ؛ لأنهم لو جعلوها حالاً لكانت مِنْ صفةِ ما يَصْدُق عليه " خير " ، ولا يَصْدُق ذلك على ما يَصْدُق عليه " خير " ؛ لأن الحِفْظ معنى من المعاني ، ومَنْ يَتَأَوَّلْ " زيدٌ عَدْلٌ " على المبالغة ، أو على حذف المضاف ، أو على وقوعِ المصدرِ موقعَ الوصفِ يُجِزْ في " حِفْظاً " أيضاً الحالية بالتأويلات المذكورة ، وفيه تَعَسُّف .