قوله تعالى : { مَّثَلُ الْجَنَّةِ } : مبتدأ ، وخبرُه محذوفٌ تقديره : فيما قَصَصْنا ، أو فيما يُتْلَى عليكم مَثَلُ الجنَّة ، وعلى هذا فقولُه { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } تفسيرٌ لذلك المَثَل . وقال أبو البقاء : " فعلى هذا " تَجري " " حالٌ من العائدِ المحذوف في " وُعِد " ، أي : وُعِدَها مُقَدَّراً جَرَيَانُ أنهارها " . ونَقَل عن الفراء أنه جعل الخبر قوله " تجري " . قال : " وهذا خطأٌ عند البصريين " . قال : " لأنَّ المَثَلَ لا تَجْري مِنْ تَحتِه الأنهارُ ، وإنما هو من صفاتِ المضافِ إليه ، وشُبْهَتُه : انَّ المَثَل هنا بمعنى الصفة فهو كقولِه " صِفَةُ زيدٍ أنه طويلٌ " ، ويجوز أن يكونَ " تجري " مستانَفاً " .
قلت : وهذا الذي ذكره ابو البقاء نَقَل نحوَه الزمخشريُّ : ونَقَل غيرُه عن الفراء في الآية تأويلين آخرين ، أحدُهما : على حذف لفظةِ " أنَّها " والأصلُ : صفةُ الجنَّة أنها تجري ، وهذا منه تفسيرُ معنىً لا إعرابٍ ، وكيف يَحْذِفُ " أنها " من غير دليلٍ . والثاني : أنَّ لفظةَ " مثل " زائدةٌ ، والأصل : الجنة تجري مِنْ تحتِها الأنهار ، وزيادةُ " مَثَل " كثيرةٌ في لسانِهم . ومنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ } [ البقرة : 137 ] وقد تقدَّم .
وقال الزمخشري : " وقال غيرُه : -أي سيبويه - الخبر { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } كما تقول : صفةُ زيدٍ أسمرُ " . قال الشيخ : " وهذا أيضاً لا يَصِحُّ أن يكونَ " تَجْري " خبراً عن الصفةِ ، ولا " أسمر " خبراً عن الصفة ، وإنما يُتَأَوَّل " تجري " على إسقاطِ " أنْ " ورفعِ الفعل ، والتقدير : أَنْ تَجْري ، أي : جَرَيانُها .
وقال الزجَّاج : " مَثَل الجنَّة جَنَّةٌ تجري ، على حَذْفِ الموصوفِ تمثيلاً لِما غاب عنَّا بما نشاهده " . ورَدَّ عليه أبو عليٍّ قال : " لا يَصِحُّ ما قال الزجاج ، لا على معنى الصفة ، ولا على معنى الشَّبَه ؛ لأنَّ الجنَّةَ التي قَدَّرها جثةٌ ولا تكونُ الصفة ، ولأنَّ الشَّبه عبارةٌ عن المماثلةِ التي بين المتماثلين وهو حَدَثٌ ، والجنَّةُ جثَّةٌ فلا تكون المماثلةُ ، والجمهورُ على أن المَثَلَ هنا بمعنى الصفة فليس هنا ضَرْبُ مَثَلٍ ، فهو كقولِه تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى } [ النحل : 60 ] وأنكر أبو علي أَنْ تكون بمعنى الصفة ، وقال : معناه الشبه .
وقرأ عليٌّ وابن مسعود " أمثال الجنة " ، أي : صفاتها .
و { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } كقوله " تَجْرِي " في الاستئناف التفسيري أو الخبرية أو الحالية . وقد تقدَّم خلافُ القرَّاءِ فيه في البقرة " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.