قوله : { اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا } : جواب " إذا " ، أي :سألاهم الطعامَ . وفي تكريرِ " أهلَها " وجهان ، أحدهما : أنه توكيدٌ من بابِ إقامةِ الظاهر مُقامِ المضمر كقوله :
لا أرى الموتَ يَسْبِقُ الموتَ شيءٌ *** نغَّصَ الموتُ ذا الغِنى والفقيرا
والثاني : أنَّه للتأسيسِ ؛ وذلك أنَّ الأهلَ المَأْتِيِّين ليسوا جميعَ الأهل ، إنما هم البعضُ ، إذ لا يمكن أَنْ يأتيا جميعَ الأهلِ في العادة في وقتٍ واحد ، فلمَّا ذَكَرَ الاستطعامَ ذكره بالنسبة إلى جميع الأهل كأنهما تَتَبَّعا الأهلَ واحداً واحداً ، فلو قيل : استطعماهم لاحتمل أنَّ الضميرَ/ يعودُ على ذلك البعضِ المأتِيِّ دونَ غيرِه ، فكرَّر الأهلَ لذلك .
قوله : { أَن يُضَيِّفُوهُمَا } مفعولٌ به لقولِه " أبَوْا " . والعامَّة على التشديد مِنْ ضَيَّفَه يُضَيِّفه . والحسن وأبو رجاء وأبو رزين بالتخفيف مِنْ : أضافَه يُضيفه وهما مثل : مَيَّله وأماله .
قوله : { أَن يَنقَضَّ } مفعولُ الإِرادة . و " انقَضَّ " يُحتمل أن يكونَ وزنُه انْفَعَلَ ، من انقِضاضِ الطائرِ أو مِنْ القِضَّة وهي الحَصَى الصِّغار . والمعنى : يريدُ اَنْ يتفتَّتَ كالحصى ، ومنه طعامٌ قَضَضٌ إذا كان فيه حَصَى صِغارٌ . وأن يكونَ وزنُه افْعَلَّ كاحْمَرَّ مِن النَّقْضِ يقال : نَقَضَ البناءَ يَنْقُضُه إذا هَدَمه . ويؤيِّد هذا ما في حرفِ عبدِ الله وقراءةِ الأعمش " يريد ليُنْقَضَ " مبنياً للمفعول واللامِ ، كهي في قولِه { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ }
[ النساء : 26 ] . وما قرأ به اُبَيٌّ كذلك إلا أنَّه { يُرِيدُ أَن يُنقَضَ } بغير لام كي .
وقرأ الزُّهْري " أنْ يَنْقَاضَ " بألفٍ بعد القاف . قال الفارسيُّ : " هو مِنْ قولهم قِضْتُه فانقاضَ " أي : هَدَمْتُه فانهدم " . قلت : فعلى هذا يكونُ وزنُه يَنْفَعِل . والأصل انْقَيَض فَأُبْدِلَت الياءُ ألفاً . ولمَّا نَقَل أبو البقاء هذه القراءةَ قال : " مثل : يَحْمارّ " ومقتضى هذا التشبيه أن يكونَ وزنُه يَفْعالَّ . ونقل أبو البقاء أنه قُرِئ كذلك بتخفيفِ الضاد قال : " وهو مِنْ قولِك : انقاضَ البناءُ إذا تهدَّم " .
وقرأ عليٌّ أميرُ المؤمنين رضي الله عنه وعكرمة في آخرين " يَنْقاص " بالصاد مهملةً ، وهو مِنْ قاصَه يَقِيْصُه ، أي : كسره . قال ابنُ خالويه : " وتقول العرب " انقاصَتِ السِّنُّ : إذا انشقَّتْ طولاً " . وأُنْشِدُ لذي الرُّمَّة :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . مُنْقاصٌ ومُنْكِثبُ
وقيل : إذا تَصَدَّعَتْ كيف كان . وأُنْشِد لأبي ذؤيب :
فِراقٌ كقَيْصِ السِّنِّ ، فالصَّبْرَ إنَّه *** لكلِّ أُناسٍ عَثْرَةٌ وجُبورُ
ونسبةُ الإِرادةِ إلى الجدارِ مجازٌ وهو شائعٌ جداً . ومِنْ أنكر المجازَ مطلقاً أو في القرآنِ خاصةً تَأَوَّلَ ذلك على أنه خُلِقَ للجِدار حياةٌ وإرادة كالحيوانات . أو أنَّ الإِرادةَ صدرت من الخَضِرِ ليَحْصُلَ له ولموسى من العَجَبِ . وهو تَعَسُّفٌ كبيرٌ . وقد أنحى الزمخشريُّ على هذا القائِل إنحاءً بليغاً .
قوله : " لاتَّحّذْتَ " قرأ ابن كثير وأبو عمرو " لتَخِذْتَ " بفتح التاءِ وكسرِ الخاءِ مِنْ تَخِذَ يَتْخَذُ كتَعِبَ ويتعَبُ . والباقون : :لاتَّخَذْتَ " بهمزةِ الوصلِ وتشديدِ التاءِ وفتحِ الخاءِ مِنَ الاتِّخاذ . واختُلِفَ : هل هما مِن الأَخْذ ، والتاءُ بدلٌ من الهمزة ، ثم تُحْذَفُ التاءُ الأولى فيُقال : تَخِذَ ، كتَقِيَ مِنْ اتَّقَى نحو :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَقِ اللهَ فينا والكتابَ الذي تَتْلُوْ
أم هما مِنْ تَخِذَ والتاءُ أصيلةٌ ، ووزنُهما فَعِل وافْتَعَل ؟ قولان تقدَّم تحقيقُهما في هذا الموضوع . والفِعْلُ هنا على القراءتين متعدٍّ لواحدٍ لأنَّه بمعنى الكسب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.