الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا} (27)

قوله : { وَيَوْمَ يَعَضُّ } : معمولٌ لمحذوفٍ ، أو معطوفٌ على " يومَ تَشَقَّقُ " . و " يَعَضُّ " مضارعُ عَضَّ ، ووزنُه فَعِل بكسرِ العينِ ، بدليلِ قولِهم : عَضِضْتُ أَعَضُّ ، وحكى الكسائيُّ فتحَها في الماضي ، فعلى هذا يُقال : أَعِضُّ بالكسر في المضارع . والعَضُّ هنا كنايةٌ عن شدَّةِ اللزومِ . ومثله : حَرَقَ نابَه ، قال :

أبى الضَّيْمَ والنُّعمانُ يَحْرِقُ نابَه *** عليه فأَفْضَى والسيوفُ مَعاقِلُهْ

وهذه الكنايةُ أبلغُ من تصريحِ المُكْنَى عنه . وأَلْ في " الظالم " تحتملُ العهدَ ، والجنسَ ، على حَسَبِ الخلافِ في ذلك .

قوله : { يَقُولُ } هذه الجملةُ حال مِنْ فاعل " يَعَضُّ " . وجملةُ التمنِّي بعد القولِ مَحْكيَّةٌ به . وتقدَّم الكلامُ في مباشرة " يا " ل " ليت " في النساء .

وفلانٌ كنايةٌ عن عَلَمِ مَنْ يَعْقِل وهو منصرفٌ ، وفُلُ كنايةٌ عن نكرةِ مَنْ يَعْقِل من الذكور ، وفُلَةُ عَمَّن يَعْقِلُ من الإِناثِ ، والفلانُ والفلانةُ بالألف واللام عن غير العاقلِ . ويختصُّ فُلُ وفُلَةُ بالنداءِ إلاَّ في ضرورةٍ كقوله :

في لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاناً عن فُلِ ***

وليس " فُلُ " مُرَخَّماً من فلان خلافاً للفراء ، وزعم الشيخ أنَّ ابنَ عصفورِ وابنَ مالك وابن العلج وَهِمُوا في جَعْلهم " فُلُ " كنايةً عن عَلَم مَنْ يَعْقِلُ كفُلان . ولامُ فُل وفلان فيها وجهان ، أحدهما : أنها واوٌ . والثاني : أنها ياءٌ ، وقرأ الحسن " يا ويلتي " بكسرِ التاء وياءٍ صريحةٍ بعدها ، وهي الأصلُ ، وقرأ الدُّوريُّ بالإِمالة ، قال أبو عليّ : " وتَرْكُ الإِمالةِ أحسنُ ؛ لأنَّ أصلَ هذه اللفظةِ الياءُ ، فبُدِّلت الكسرةُ فتحةً ، والياءُ ألفاً ؛ فِراراً من الياءِ . فَمَنْ أمال رَجَعَ إلى الذي منه فَرَّ أولاً " قلت : وهذا منقوضٌ بنحو " باع " فإنَّ أصلَه الياءُ ومع ذلك أمالوا ، وقد أمالُوا { يا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطَتُ } [ الزمر : 56 ] و { يَا أَسَفَى } [ يوسف : 84 ] وهما ك " يا ويلَتى " في كونِ ألفِهما عن ياءِ المتكلم .