قوله : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم } يَوْمَ معمول لمحذوف{[35952]} ، أو معطوف على «يَوْمَ تَشَقَّقُ » . و «يَعضُّ » مضارع عَضَّ ، ووزنه فَعِل بكسر العين بدليل قولهم : عَضِضْتُ أَعَضُّ . وحكى الكسائي فتحها في الماضي{[35953]} ، فعلى هذا يقال : أَعِضُّ بالكسر في المضارع . والعَضُّ هنا كناية عن شدة الندم ، ومثله : حَرَقَ نَابَهُ ، قال{[35954]} :
أَبى الضَّيْم والنُّعْمَان يَحْرِقُ نَابَهُ *** عَلَيْهِ فَأَفْضَى{[35955]} والسّيُوفُ مَعَاقِلُه{[35956]}
وهذه الكناية أبلغ من تصريح المكني عنه{[35957]} .
( أل ) في «الظَّالم » تحتمل{[35958]} العهد والجنس على خلاف في ذلك{[35959]} . فالقائلون{[35960]} بالعهد اختلفوا على قولين :
الأول : قال ابن عباس : «أراد بالظالم : عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس ، كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً ، ودعا إليه جيرته وأشراف قومه ، وكان يكثر مجالسة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعجبه حديثه ، فقدم ذات يوم من سفر ، فصنع{[35961]} طعاماً ، ودعا الناس ، ودعا الرسول ، فلما قرب الطعام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله » فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد{[35962]} أَنّ محمداً رسول الله ، فأكل الرسول من{[35963]} طعامه ، وكان عقبة صديقاً لأبيّ بن خلف ، فلما أتى أُبي بن خلف قال له : يا عقبة صبأت ، قال : لا والله ما صبأت ، ولكن دخل عليّ فأبَى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له ، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له ، فطعم . فقال : ما أنا بالذي أرضى منك أبداً إلا أن تأتيه وتبزق{[35964]} في وجهه ، وتطأ على عنقه{[35965]} ، ففعل ذلك عقبة ، فقال عليه السلام{[35966]} : لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوتك بالسيف ، فقتل عقبة يوم بدر{[35967]} صبراً ، وأما أبيّ بن خلف فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم أحد{[35968]} .
قال الضحاك : لما بزق عقبةُ في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد بزاقه{[35969]} في وجهه ، فاحترق خداه ، فكان أثر ذلك فيه حتى الموت{[35970]} .
وقال الشعبي : كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية{[35971]} بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من{[35972]} وجهك حرام إن بايعت محمداً ، فكفر وارتد ، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ }{[35973]} يعني : عُقبة ، يقول : { يا ليتني اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً } ، أي : ليتني اتبعت محمداً فاتخذت معه سبيلاً إلى الهدى . وقرأ أبو عمرو { يَا لَيَتَنِي اتَّخَذْتُ } بفتح الياء{[35974]} ، والآخرون بإسكانها{[35975]} .
الثاني : قالت الرافضة : الظالم هو رجل بعينه ، وإن المسلمين عرفوا اسمه وكتموه ، وجعلوا فُلاناً بدلاً من اسمه ، وذكروا فاضلين من أصحاب الرسول .
ومن حمل الألف واللام على العموم ، لأنها إذا دخلت على الاسم المفرد أفادت العموم بالقرينة ، وهي أنَّ ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعلية الوصف ، فدلّ على أنَّ المؤثر في العض على اليدين كونه ظالماً ، فيعم الحكم لعموم علته .
وهذا القول أولى من التخصيص بصورة واحدة ، ونزوله في واقعة خاصة ( لا ينافي العموم ) {[35976]} ، بل تدخل فيه تلك الصورة وغيرها . والمقصود من الآية زجر الكل عن الظلم ، وذلك لا يحصل إلا بالعموم{[35977]} .
قال الضحاك : يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت ، ولا يزال هكذا كلما أكلها{[35978]} نبتت{[35979]} وقال المحققون : هذه اللفظة{[35980]} للتحسر والغم ، يقال : عَضَّ أنامله{[35981]} ، وعضَّ على يديه{[35982]} .
قوله : «يَقُولُ » هذه الجملة حال من فاعل «يَعَضُّ » وجملة التمني بعد القول محكيةٌ به{[35983]} ، وتقدم الكلام في مباشرة ( يَا ) ل «لَيْتَ » في النساء{[35984]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.