إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا} (27)

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ } عضُّ اليدينِ والأناملِ وأكلُ البنانِ وحرقُ الأسنانِ ونحوها كناياتٌ عن الغيظِ والحسرةِ لأنَّها من روادِفهما . والمرادُ بالظَّالمِ إمَّا عقبةُ بنُ أبي مُعيطٍ على ما قيل : من أنَّه كان يُكثر مجالسةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فدعاهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يوماً إلى ضيافتِه فأبى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يأكلَ من طعامِه حتَّى ينطِقَ بالشَّهادتينِ ففعلَ وكان أُبيُّ بنُ خَلَفٍ صديقَه فعاتبَه فقال : صَبأتَ فقال : لا ولكنْ أَبَى أنْ يأكلَ منْ طَعَامي وهو في بيتي فاستحييتُ منه فشهدتُ له فقال : إنيِّ لا أرضى منكَ إلا أنْ تأتيَه فتطأَ قفاهُ وتبزقَ في وجههِ فأتاهُ فوجدَه ساجداً في دارِ النَّدوةِ ففعل ذلك فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، لا ألقاكَ خارجاً من مكَّةَ إلاَّ علوتُ رأسَك بالسَّيفِ فأُسرَ يوم بدرٍ فأمرَ عليَّاً رضي الله عنه فقتَلَه وقيل : قَتَله عاصمُ بنُ ثابثٍ الأنصاريُّ وطعنَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أُبيَّاً يومَ أُحدٍ في المُبارزة فرجعَ إلى مكَّةَ وماتَ .

وإما جنسُ الظَّالم وهو داخلٌ فيه دخولاً أوليَّا . وقولُه تعالى : { يقُولُ } الخ حالٌ من فاعلِ يعضُّ . وقولُه تعالى : { ياليتني } الخ محكيٌّ به ويَا إمَّا لمجرَّدِ التَّنبيهِ من غيرِ قَصْدٍ إلى تعيينِ المنبَّه ، ِ أو المُنادي محذوفٌ أي يا هؤلاءِ ليتني { اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً } أي طريقاً واحداً منجياً من هذه الورطاتِ وهو طريقُ الحقِّ ولم تتشعبْ بي طرقُ الضَّلالةِ أو حَصَّلتُ في صحبتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ طريقاً ولم أكُن ضالاَّ لا طريقَ لي قط .