تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا} (27)

[ الآية 27 ] وقوله تعالى : { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } قال بعض أهل التأويل : نزلت الآية في عقبة بن أبي معيط ؛ كان يؤاخي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويواده ، وكان رسول الله يجيبه إذا دعاه إلى طعامه ، فدعا يوما رسول الله إلى طعامه ، فقال : لا حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فشهد بذلك ، فطعم من طعامه ، فبلغ ذلك أبي بن خلف ، فأتاه ، فقال : صبوت يا عقبة [ إلى محمد ]{[14411]} وأجبته إلى ما دعاك إليه ، وعيره{[14412]} على ذلك حتى رجع عقبة عن ذلك ، وارتد عن دينه . وفي الحديث طول . فنزلت الآية في شأنه وصنيعه وندامته وحيرته على ما فعل ، فقال : { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } إلى آخر ما ذكر . وذكر أن عقبة ، وأبي بن خلف قتلا : أحدهما يوم بدر والآخر يوم أحد [ السيوطي في الدر المنثور 6/250 و251 ] .

ولكن الآية في كل ظالم وكل كافر يكون على ما ذكر . ثم يحتمل قوله : { يعض الظالم على يديه } على التمثيل والكناية عن الندامة والحسرة ، لأن من اشتدت به الندامة والحسرة والغيظ على شيء ، يكاد يعض يديه غيظا منه على ذلك ، كما كنى بغلّ اليد عن ترك الإنفاق ، وبالبسط عن كثيرة الإنفاق والمجاوزة فيه ، وكما كنى بالنبذ وراء الظهر عن ترك الانتفاع وقلة النظر فيه والاكتراث إليه كقوله : { نكص على عقبيه } [ الأنفال : 48 ] عن الرجوع ونحوه وقوله : { يرُدُّوكمْ على أعْقابكم } [ آل عمران : 149 ] وقوله : { فنَزِلَّ قََدَم بعْد ثُُبُوتها } [ النحل : 94 ] وأمثال هذا على التمثيل والكناية عن الرجوع والثبات والأخذ والترك .

فعلى ذلك جائز أن يكون عض الأيدي كناية عن شدة الندامة والغيظ على ما حل به .

ويشبه أن يكون على التحقيق تحقيق عض اليد [ إذ ]{[14413]} يجعل الله عقوبته بعضٍّ اليد كما جعل عقوبة أنفسهم بأنفسهم حين{[14414]} جعل أنفسهم حطبا للنار ، يعذبون ، ويعاقبون ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } السبيل الذي دعاه الرسول إليه .


[14411]:- في الأصل وم: محمدا.
[14412]:- من م، في الأصل: فعير.
[14413]:- ساقطة من الأصل وم.
[14414]:- في الأصل وم: حيث.