الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

قوله : { وَكِتَابٍ } : العامَّةُ على جَرِّه عطفاً على القرآن ، وهل المرادُ نفسُ القرآنِ فيكونَ من عطفِ بعضِ الصفاتِ على بعضٍ ، والمدلولُ واحدٌ ، أو اللوحُ المحفوظُ أو نفس السورةِ ؟ وقيل : القرآنُ والكتابُ عَلَمان للمنزَّلِ على نبيِّنا محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فهما كالعبَّاسِ وعَبَّاس . يعني فتكون أل فيهما لِلَمْحِ الصفةِ . وهذا خطأٌ ؛ إذ لو كانا عَلَمَيْن لما وُصِفا بالنكرةِ ، وقد وُصِف " قرآن " بها في قوله : { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ }[ الآية : 1 ] في سورة الحجر . ووُصِفَ بها " كتاب " كما في هذه الآية الكريمةِ . والذي يُقال : إنه نكرةٌ هنا لإِفادةِ التفخيم ، كقوله تعالى :{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } [ القمر : 55 ] .

وقرأ ابن أبي عبلة " كتابٌ مبينٌ " برفعِهما ، عطفٌ على " آياتُ " المُخْبِرِ بها عن " تلك " . فإن قيل : كيف صَحَّ أَنْ يُشارَ لاثنين ، أحدُهما مؤنثٌ ، والآخرُ مذكرٌ باسم إشارةِ المؤنثِ ولو قلتَ : " تلك هندٌ وزيدٌ " لم يَجُزْ ؟ فالجواب من ثلاثةِ أوجه : أحدُهما : أنَّ المرادَ بالكتابِ هو الآياتُ ؛ لأنَّ الكتابَ عبارةٌ عن آياتٍ مجموعةٍ فلمَّا كانا شيئاً واحداً/ صَحَّتْ الإِشارةُ إليهما بإشارةِ الواحدِ المؤنثِ . الثاني : أنَّه على حَذْفِ مضافٍ أي : وآياتُ كتابٍ مبين . الثالث : أنه لَمَّا وَليَ المؤنثَ ما يَصِحُّ الإِشارةُ به إليه اكتُفي به وحَسُنَ ، ولو أُوْلِيَ المذكرَ لم يَحْسُنْ . ألا تراك تقولُ : " جاءَتْني هندٌ وزيدٌ " ولو حَذَفْتَ " هند " أو أَخَّرْتَها لم يَجُزْ تأنيثُ الفعلِ .