قوله : { مِن ثَمَرِهِ } : قيل : الضميرُ عائدٌ على النخيل ؛ لأنه أقربُ مذكورٍ ، وكان مِنْ حَقِّ الضميرِ أَنْ يُثَنَّى على هذا لتقدُّم شيئين : وهما الأعنابُ والنخيلُ ، إلاَّ أنه اكتفى بذِكْرِ أحدِهما . وقيل : يعود على جنات ، وعاد بلفظ المفرد ذَهاباً بالضميرِ مَذْهَبَ اسم الإِشارةَ وهو كقولُ رُؤْبة :
3785 فيها خُطوطٌ من سَوادٍ وبَلَقْ *** كأنَّه في الجلدِ تَوْليعُ البَهَقْ
فقيل له . فقال : أَرَدْتُ : كأنَّ ذاك وَيْلَكَ . وقيل : عائد على الماءِ المدلول عليه ب عيون . وقيل : بل عاد عليه لأنه مقدَّرٌ أي : من العيون . ويجوزُ أَنْ يعودَ على العيون . ويُعتذر عن إفراده بما تَقَدَّم في عَوْده على جنات . ويجوزُ أَنْ يعودَ على الأعناب والنخيل معاً ، ويُعتذر عنه بما تقدَّم أيضاً . وقال الزمخشري : " وأصلُه : مِنْ ثمرنا ، لقوله : { وفَجَّرْنا } و { جَعَلْنا } فنقل الكلامَ من التكلُّم إلى الغَيْبة على طريقة الالتفات ، والمعنى : ليأكلوا مِمَّا خلقَه الَّلهُ مِن الثمر " . قلت : فعلى هذا يكون الضميرُ عائداً على الله تعالى ، ولذلك فَسَّر معناه بما ذكر . وقد تقدَّم قراءاتٌ في هذه اللفظةِ في سورةِ الأنعام وما قيل فيها بحمد الله تعالى .
قوله : { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } في { ما } هذه أربعةُ أوجهٍ ، أحدها : أنها موصولةٌ أي : ومن الذي عَمِلَتْه أيديهم من الغرس والمعالجة . وفيه تَجَوُّزٌ على هذا . والثاني : أنها نافيةٌ أي : لم يعملوه هم ، بل الفاعلُ له هو اللَّهُ تعالى .
وقرأ الأخَوان وأبو بكر بحذف الهاء والباقون { وما عَمِلَتْه } بإثباتِها . فإنْ كانَتْ { ما } موصولةً فعلى قراءة الأخوين وأبي بكر حُذِف العائدُ كما حُذِف في قولِه : { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً } [ الفرقان : 41 ] بالإِجماع . وعلى قراءةِ غيرِهم جيْءَ به على الأصل . وإن كانَتْ نافيةً فعلى قراءةِ الأخوين وأبي بكر لا ضميرَ مقدرٌ ، ولكن المفعولَ محذوفٌ أي : ما عَمِلَتْ أيديهم شيئاً مِنْ ذلك ، وعلى قراءةِ غيرِهم الضميرُ يعودُ على
{ ثَمَرِه } وهي مرسومةٌ بالهاء في غيرِ مصاحفِ الكوفةِ ، وبحذفِها فيما عداها . والأخَوان وأبو بكرٍ وافقوا مصاحفهم ، والباقون - غير حَفْصٍ - وافقوها أيضاً ، وجعفر خالَفَ مصحفَه ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ القراءةَ متلقَّاةٌ مِنْ أفواهِ الرجال ، فيكون عاصمٌ قد أقرأها لأبي بكرٍ بالهاء ولحفصٍ بدونها .
الثالث : أنها نكرةٌ موصوفةٌ ، والكلامُ فيها كالذي في الموصولة . والرابع : أنها مصدريةٌ أي : ومِنْ عَمَلِ أيديهم . والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ به ، فيعودُ المعنى إلى معنى الموصولة أو الموصوفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.