الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

قوله : { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ } : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرٍو برفعِه ، والباقون بنصبِه . فالرفعُ على الابتداء ، والنصبُ بإضمارِ فعلٍ على الاشتغالِ ، والوجهان مُسْتويانِ لتقدُّمِ جملةٍ ذاتِ وجهين ، وهي قوله : " والشمسُ تجري " فإنْ راعَيْتَ صدرَها رَفَعْتَ لتعطِفَ جملةً اسميةً على مثلِها ، وإنْ راعَيْتَ عَجْزَها نَصَبْتَ لتعطِفَ فعليةً على مثلِها . وبهذه الآيةِ يَبْطُلُ قولُ الأخفشِ : إنه لا يجوزُ النصبُ في الاسم إلاَّ إذا كان في جملةِ الاشتغالِ ضميرٌ يعود على الاسمِ الذي تضمَّنَتْه جملةٌ ذاتُ وجهين . قال : لأنَّ المعطوفَ على الخبرِ خبرٌ فلا بُدَّ مِنْ ضميرٍ يعودُ على المبتدأ فيجوزُ : " زيدٌ قام وعمراً أكرمتُه في داره " ، ولو لم يَقُلْ " في داره " لم يَجُز . ووجهُ الردِّ مِنْ هذه الآية أنَّ أربعةً من السبعةِ نصبوا ، وليس في جملة الاشتغال ضميرٌ يعودُ على الشمس . وقد أُجْمع على النصب في قولِه تعالى : { وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا } [ الرحمن : 7 ] بعد قوله : { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [ الرحمن : 5 ] .

قوله : " منازلَ " فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه مفعولٌ ثانٍ ؛ لأنَّ " قَدَّرنا " بمعنى صَيَّرْنا . الثاني : أنه حالٌ ، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ قبل " منازل " تقديرُه : ذا منازلَ . الثالث : أنه ظرفٌ أي : قَدَّرْنا مسيرَه في منازلَ ، وتقدَّم نحوُه أولَ يونس .

قوله : " كالعُرْجُون " العامّةُ على ضَمِّ العينِ والجيم . وفي وزنِه وجهان ، أحدهما : أنه فُعْلُول فنونُه أصليةٌ ، وهذا هو المرجَّحُ . والثاني : وهو قولُ الزجَّاج أنَّ نونَه مزيدةٌ ، ووزنُه فُعْلُوْن ، مشتقاً من الانعراجِ وهو الانعطافُ ، وقرأ سليمان التيمي بكسر العين وفتح الجيم ، وهما لغتان كالبُزيُوْن والبِزْيون . والعُرْجُوْن : عُوْد العِذْقِ ما بين الشَّماريخ إلى مَنْبِته من النخلةِ . وهو تشبيهٌ بديعٌ ، شبَّه به القمرَ في ثلاثة أشياء : دقتِه واستقواسِه واصفرارِه .