الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

قوله : { إِذْ دَخَلُواْ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنه بدل مِنْ " إذ " الأولى . الثاني : أنَّه منصوبٌ ب " تَسَوَّرُوا " ومعنى تَسَوَّروا : عَلَوْا/ أعلى السُّورِ ، وهو الحائطُ ، غيرُ مهموزٍ كقولك : تَسَنَّم البعيرَ أَي : بَلَغَ سَنامَه . والضميرُ في " تَسَوَّروا " و " دخلوا " راجعٌ على الخصم لأنه جمعٌ في المعنى على ما تقدَّم ، أو على أنَّه مثنى ، والمثنى جمعٌ في المعنى ، وقد مضى الخلافُ في هذا محققاً .

قوله : " خَصْمان " خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : نحن خَصْمان ؛ ولذلك جاء بقولِه : " بَعْضُنا " . ومَنْ قرأ " بعضهم " بالغَيْبة يُجَوِّز أن يُقَدِّرَه كذلك ، ويكون قد راعى لفظَ " خَصْمان " ، ويُجَوِّزُ أنْ يُقَدِّرَ هم خصمان ليتطابَقَ . ورُوِي عن الكسائي " خِصْمان " بكسر الخاء . وقد تقدَّم أنه قرأها كذلك في الحج .

قوله : " بَغَى بَعْضُنا " جملةٌ يجوزُ أَنْ تكون مُفَسِّرَةً لحالِهم ، وأن تكونَ خبراً ثانياً .

قوله : " ولا تُشْطِطْ " العامَّةُ على ضَمِّ التاء وسكونِ الشينِ وكسرِ الطاءِ الأولى مِنْ أشْطَطَ يُشْطِطُ إشْطاطاً إذا تجاوز الحقَّ . قال أبو عبيدة : " شَطَطْتُ في الحُكْمِ ؛ وأَشْطَطْتُ فيه ، إذا جُرْتُ " فهو ممَّا اتفق فيه فَعَل وأَفْعَل ، وإنما فَكَّه على أحدِ الجائزَيْن كقولِه : " مَنْ يَرْتَدِدْ " وقد تقدَّم تحقيقُه . وقرأ الحسن وأبو رجاء وابنُ أبي عبلة " تَشْطُط " بفتح التاءِ وضَمِّ الطاءِ مِنْ شَطَّ بمعنى أشَطَّ كما تقدَّم . وقرأ قتادة " تُشِطَّ " مِنْ أشطَّ رباعياً ، إلاَّ أنه أدغم وهو أحد الجائزَيْن كقراءة مَنْ قرأ { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ } ، وعنه أيضاً " تُشَطِّطْ " بفتح الشين وكسرِ الطاءِ مُشَدَّدةً شَطَّطَ يُشَطِّطُ . والتثقيلُ فيه للتكثيرِ . وقرأ زر بن حبيش " تُشاطِطْ " من المفاعلة .