الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

قوله : { مَا قَطَعْتُمْ } : " ما " شرطيةٌ في موضع نصب ب " قَطَعْتم " و " مِنْ لينةٍ " بيانٌ له . و { فبإِذنِ اللهِ } جزاء الشرطِ ، ولا بُدَّ مِنْ حذفٍ ، أي : فقَطْعُها بإذنِ الله ، فيكون { بإذنِ الله } الخبرَ لذلك المبتدأ . واللينةُ فيها خلافٌ كثير ، قيل : هي النخلةُ مطلقاً ، وأُنْشِد :

كأن قُتودي فوقها عُشُّ طائرٍ *** على لِيْنَةٍ سَوْقاءَ تَهْفوا جُنوبها

وقال آخر :

طِراقُ الخوافِي واقعٌ فوقَ لِينة *** نَدَى لَيْلهِ في ريشه يَتَرَقْرَقُ

وقيل : هي النخلة ما لم تكن عجوةً . وقيل : ما لم تكن عَجْوةً ولا بَرْنِيَّة . وقيل : هي النخلةُ الكريمة . وقيل : ما تَمْرُها لُوْنٌ ، وهو نوعٌ من التمر ، قال سفيان : هو شديدُ الصُّفْرة يَشِفُّ عن نواةٍ . وقيل : هي العَجْوة . وقيل : هي الفُسْلان وأنشد :

غَرَسوا لينةً بمَجرى مَعِيْنِ *** ثم حُفَّ النخيلُ بالآجامِ

وقال آخر :

قد جَفاني الأَحْبابُ حين تَغَنَّوا *** بفراقِ الأحبابِ مِنْ فوقِ ليْنَهْ

وقيل : هي أغصان الشجر للينِها .

وفي عين " لِينة " قولان ، أحدهما : أنها واوٌ لأنه من اللون ، وإنما قُلِبَتْ ياءً لسكونِها وانكسارِ ما قبلَها كدِيْمة وقيمة . الثاني : أنها ياءٌ لأنها من اللِّين . وجَمْعُ اللِّينة لِيْن لأنه من بابِ اسم الجنس كتَمْرة وتَمْر . وقد كُسِّر على " لِيان " وهو شاذٌّ ؛ لأنَّ تكسيرَ ما يُفَرَّقُ بتاءِ التأنيث شاذٌّ كرُطَبَة ورُطَب وأَرْطاب . وأُنْشد :

وسالفةٌ كسَحُوْقِ اللِّيا *** ن أَضْرَمَ فيه الغَوِيُّ السُّعُرْ

/ والضميرُ في { تَرَكْتموها } عائدٌ على معنى " ما " وقرأ عبدُ الله والأعمش وزيدُ بن علي " قُوَّماً " على وزنِ ضُرَّب ؛ جمعَ " قائم " مراعاةً لمعنى " ما " فإنه جمعٌ . وقُرِىءَ " قائماً " مفرداً مذكراً . وقُرِىء " أُصُلِها " بغير واو . وفيه وجهان ، أحدهما : أنه جمعُ " أَصْلٍ " ، نحو : رَهْن ورُهُن . والثاني : أن يكونَ حَذَفَ الواوَ استثقالاً لها .

قوله : { وَلِيُخْزِيَ } اللامُ متعلقةٌ بمحذوفٍ ، أي : ولِيُخْزِيَ أَذِنَ في قَطْعِها ، أو ليُسِرَّ المؤمنين ويُعِزَّهم ولِيُخْزِيَ .