الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقِيلَ مَنۡۜ رَاقٖ} (27)

قوله : { مَنْ رَاقٍ } : مبتدأٌ وخبرٌ . وهذ الجملةُ هي القائمةُ مَقامَ الفاعلِ ، وأصولُ البَصْريين تَقْتَضي أَنْ لا تكونَ ؛ لأنَّ الفاعلَ عندهم لا يكونُ جملةً ؛ بل القائمُ مَقامَه ضميرُ المصدرِ ، وقد تقدَّمَ تحقيقُ هذا أولَ البقرة ، وهذا الاستفهامُ يجوزُ أن يكونَ على بابِه ، وأَنْ يكونَ استبعاداً وإنكاراً . وراقٍ اسمُ فاعلٍ : إمَّا من رَقَى يَرْقَى من الرُقية وهو كلامٌ مُعَدٌّ للاستشفاء ، يُرْقَى به المريضُ لِيُشْفَى . وفي الحديث : " وما أدراكَ أنها رُقْيَةٌ " ؟ يعني الفاتحةَ وهو مِنْ أسمائِها ، وإمَّا مِنْ رَقِيَ يَرْقَى ، من الرُّقِيِّ وهو الصعودُ ، أي : إنَّ الملائكةَ لِكراهتِها في رُوْحِه تقول : مَنْ يَصْعَد بهذه الروح ؟ يقال : رَقَى بالفتحِ من الرُّقْيَةِ ، وبالكسرِ من الرُّقِيِّ . ووقف حفَص على نون " مَنْ " سكتَةً لطيفةً ، وتقدَّم هذا في أولِ الكهف وتحقيقُه . وذكرَ سيبويه إنَّ النونَ تُدْغَمُ في الراءِ وجوباً بغُنَّةٍ وبغيرِها نحو : مَنْ راشِدٌ .

والعاملُ في " إذا بلغَت " معنى قولِه : { إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } أي : إذا بلغَتِ الحُلْقومَ رُفِعَتْ إلى الله " ويكونُ قولُه : " وقيل : مَنْ راقٍ " معطوفاً على " بَلَغَت " .

والمِساقُ : مَفْعَل من السَّوْقِ وهو اسمُ مصدرٍ .