اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقِيلَ مَنۡۜ رَاقٖ} (27)

قوله : { مَن رَاقٍ } مبتدأ وخبر ، وهذه الجملة هي القائمة مقام الفاعل ، وأصول البصريين تقتضي ألا يكون ؛ لأن الفاعل عندهم لا يكون جملة ، بل القائم مقامه ضمير المصدر وقد تقدم تحقيق هذا في البقرة .

وهذا الاستفهام يجوز أن يكون على بابه ، وأن يكون استبعاداً وإنكاراً .

فالأولى مروي عن ابن عباس وعكرمة وغيرهما ، قالوا : هو من الرقية .

وروى سماك عن عكرمة قال : «من راق » يرقي ويشفي{[58733]} .

والثاني رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس أيضاً : هل من طبيب يشفيه ، وهو قول أبي قلابة وقتادة . وقال الشاعر : [ البسيط ]

5006 -هَلْ لِلفَتَى مِنْ بنَاتِ الدَّهْرِ من وَاقِ ؟*** أمْ هَلْ لَهُ مِن حَمامِ المَوتِ مِنْ رَاقِ ؟{[58734]}

وكان هذا على وجه الاستبعاد واليأس ، أي من يقدر أن يرقي من الموت .

وعن ابن عباس أيضاً وأبي الجوزاء : أنه من رقي يرقى : إذا صعد{[58735]} .

والمعنى : من يرقى بروحه إلى السماء ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟

وقيل : إن ملك الموت يقول : «مَن راقٍ » أي : من يرقى بهذه النفس .

قال شهاب الدين{[58736]} : و «راقٍ » اسم فاعل إما من «رقى يرقي » من الرقية ، وهو كلام معد للاستشفاء يرقى به المريض ليشفى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ومَا أدْراكَ أنَّها رُقْيَة »{[58737]} يعني الفاتحة ، وهو اسم من أسمائها ، وإما من «رَقِيَ يرقَى » من الرَّقْي وهو الصعود أي أن الملائكة لكراهتها في روحه تقول : من يصعد بهذه الروح يقال : «رَقَى - بالفتح - من الرُّقية ، وبالكسر من الرَّقْي » ، ووقف حفص على نون «من » سكتة لطيفة ، وقد تقدم تحقيق هذا في أول الكهف .

وذكر سيبويه أن النون تدغم في الراء وجوباً بغنة وبغيرها نحو «من راشد » .

قال الواحدي : إن إظهار النون عند حروف الفم لحن فلا يجوز إظهار نون «من » في قوله : «من راق » .

وروى حفص عن عاصم{[58738]} : إظهار النون واللام في قوله : «من راق » و «بل ران » . قال أبو علي الفارسي : «ولا أعرف وجه ذلك » .

قال الواحدي : والوجه أن يقال : قصدوا الوقف على «من » و «بل » ، فأظهروهما ثم ابتدأوا بما بعدهما ، وهذا غير مرضي من القراءة .


[58733]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/345) عن عكرمة.
[58734]:ينظر القرطبي 19/73.
[58735]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/158) والقرطبي(19/73).
[58736]:الدر المصون 6/432.
[58737]:تقدم.
[58738]:ينظر: السبعة 661، والحجة 6/346، وإعراب القراءات 2/417، وحجة القراءات 737.