الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَحۡيَآءٗ وَأَمۡوَٰتٗا} (26)

قوله : { أَحْيَآءً } : فيه أوجهٌ ، أحدها : أنَّه منصوبٌ ب كِفات ، قاله مكي ، والزمخشريُّ وبدأ به ، بعد أن جَعلَ " كِفاتاً " اسمَ ما يَكْفِتُ كقولِهم : الضِّمام والجِماع ، هذا يمنعُ أَنْ يكونَ " كِفاتاً " ناصباً ل " أحياءً " لأنه ليس من الأسماءِ العاملةِ ، وكذلك إذا جَعَلْناه بمعنى الوِعاء ، على قول أبي عبيدةَ ، فإنه لا يعملُ أيضاً ، وقد نصَّ النحاةُ على أنَّ أسماءَ الأمكنةِ والأزمنةِ والآلات ، وإنْ كانَتْ مشتقةً جاريةً على الأفعالِ لا تعملُ ، نحو : مَرْمى ومِنْجل ، وفي اسم المصدرِ خلافٌ مشهورٌ ، ولكنْ إنما يتمشَّى نصبُهما بكِفات على قولِ أبي البقاء ، فإنَّه لم يُجَوِّزْ إلاَّ أَنْ يكونَ جمعاً لاسمِ فاعلٍ ، أو مصدراً ، وكلاهما من الأسماءِ العاملة .

الوجه الثاني : أَنْ ينتصِبَ بفعلٍ مقدرٍ يَدُلُّ عليه " كِفات " أي : يَكْفِتُهم أحياءً على ظهرِها ، وأمواتاً في بَطْنِها ، وبه ثنَّى الزمخشري .

الثالث : أن يَنْتَصِبا على الحالِ من " الأرضَ " على حَذْفِ مضافٍ أي : ذاتَ أحياءٍ وأموات .

الرابع : أَنْ يَنْتَصِبا على الحالِ مِنْ محذوفٍ أي : تَكْفِتُكم أحياءً وأمواتاً ؛ لأنَّه قد عُلِمَ أنَّها كِفاتٌ للإِنسِ ، قاله الزمخشريُّ ، وإليه نحا مكيٌّ ؛ إلاَّ أنَّه قَدَّره غائباً أي : تَجْمعهم الأرضُ في هاتَيْن الحالتَيْن .

الخامس : أَنْ ينتصِبا مفعولاً ثانياً ل " نَجْعل " وكِفاتاً حالٌ كما تقدَّم تقريرُه : وتنكيرُ " أحياءً وأمواتاً " : إمَّا للتَّفْخيمِ أي : تَجْمَعُ أحياءً لا يُقَدَّرُوْن وأمواتاً لا يُحْصَوْن ، وإمَّا للتبعيضِ ؛ لأنَّ أَحياءَ الإِنس وأمواتَهم ليسوا بجميع الأحياءِ ولا الأمواتِ ، وكذلك التنكيرُ في " ماءً فُراتاً " يحتمل المعنَيْيْنِ أيضاً : أمَّا التفخيم فواضِحٌ لعِظَمِ المِنَّةِ به عليهم ، وأمَّا التبعيضُ فكقولِه تعالى : { وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [ النور : 43 ] فهذا مُفْهِمٌ للتبعيضِ ، والقرآنُ يُفَسِّرُ بعضُه بعضاً .