الآيتان 25و26 : وقوله تعالى : { أم نجعل الأرض كفاتا } { أحياء وأمواتا } فجائز أن يكون هذا صلة قوله عز وجل : { ألم نخلقكم من ماء مهين } { فجعلناه في قرار مكين }{[22943]}[ الآيتان : 20و21 ] فيكون في ذكر هذا كله تذكير الآلاء والنعم وتذكير القدرة والسلطان والحكمة .
فوجه تذكير النعم أن الله تعالى في أول ما أنشأ[ أنشأ ]{[22944]} نطفة قذرة ، وجعل لها مكانا يغيب عن أبصار الخلق ، ولم يفوض تدبيرها إلى البشر ، وكذلك في الوقت الذي أنشأ علقة ومضغة لم يفوض تدبيره إلى أحد من خلائقه ، لأنه في ذلك الوقت بحيث يستعاف ، ويستقذر ، ولا يدفع عنه المعنى الذي وقعت الاستعافة والاستقذار بالتطهير ، فجعل له قرارا مكينا يستتر به عن أبصار الخلائق .
ثم لمّا أنشاه نسمة ، وسوّى خلقه في بطن أمه ، ألقى{[22945]} في قلب أبويه الرأفة والعطف ليقوما{[22946]} بتربيته وإمساكه إلى أن يبلغ مبلغا ، يقوم بتدبير نفسه ومصالحه .
ثم جعل له بعد مماته أرضا تكفته ، وتضمه إلى نفسها ، فيستتر بها عن أبصار الناظرين ؛ إذ رجع بموته إلى حالة تستعاف ، وتستقذر ، ولا تقبل التطهير .
فكان في ذكر أول أحواله وإلى ما ينتهي إليه تذكير النعم ليصل إلى أداء شكره ؛ إذ جعل الرحم قرارا له في وقت كونه نطفة وعلقة ومضغة لما لا يعرف الخلائق أنه بما يغذى حتى ينمو ، ويزيد ، فرفع عنهم مؤونة التربية في ذلك الوقت .
ثم إذا صار بحيث يعرف وجه غذائه ، وعرف الخلق المعنى الذي يعمل في دفع حاجته ، وأخرجه من بطن الأم ، وفوّض تدبيره إلى أبويه .
فهذه أوجه تذكير القوة والسلطان والحكمة ، وهي أن الله تعالى جعل النطفة التي أنشأ منها النسمة بحيث تصلح أن ينشأ منها علقة ومضغة . ولو أراد الخلق أن يعرفوا المعنى الذي له صلحت النطفة بأن تنشأ منها العلقة والمضغة والعظام واللحم ، ثم يكون منها نسمة سوية ، لم يصلوا إلى معرفته ، وإذا تفكروا في هذا علموا أن حكمته ، ليست على ما ينتهي علم البشر ، و[ قوته لا ]{[22947]} تقصر على الحد الذي تنتهي إليه قوى البشر .
والذي كان يحملهم على إنكار البعث بعد الإماتة تقديرهم الأمور على قوى أنفسهم وتسويتها بعقولهم . فإذا تدبروا في ابتداء أحوالهم ، ورأوا من لطائف التدبير وعجائب الحكمة علموا أن الأمر ليس كما قالوا ، وقدروا ، فيدعوهم ذلك التصديق بكل ما يأتي به الرسل ، ويخبرهم من أمر البعث وغيره .
وجائز أن يكون ذكرهم ابتداء أحوالهم ونشوءهم وإلى ما يصيرون إليه[ لا يدعهم إلى ]{[22948]} التكبر على دين الله تعالى ، فينقادوا له بالإجابة ، ولا يستكبروا على أحد من خلائقه ، لأنهم في ابتداء أحوالهم كانوا نطفا{[22949]} يستقذرها الخلائق ثم علقة ومضغة ، ويصيرون في منتهى الأمر جيفا{[22950]} قذرة .
ومن كان هذا وصفه ، فأنّى يليق به التكبر على أحد ؟ .
ثم قوله عز وجل : { ألم نجعل الأرض كفاتا } تكفتهم أي تضمهم ، وتجمعهم ، في حياتهم وبعد مماتهم . فالانضمام إليها في حال حياتهم ما جعل لهم من المساكن فيها والبيوت ، وجعل لهم بعد مماتهم مقابر يدفنون فيها ، أو جعل متقلبهم ومثواهم في ظهورها في حياتهم ، وجعل بطنها مأوى/ 621 – ب/ لهم بعد وفاتهم ، وجعلها{[22951]} بساطا لهم{ لتسلكوا منها سبلا فجاجا }[ نوح : 20 ] وقدّر لهم فيها أوقاتهم ، فذكرهم ، وجوه النعم في خلقه الأرض ليستأدي منهم الشكر ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.