الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا} (25)

قوله : { إِلاَّ حَمِيماً } : يجوزُ أَنْ يكونَ استثناءً متصلاً من قولِه " شَراباً " وهذا واضِحٌ . والثاني : أنَّه منقطعٌ . قال الزمخشري : " يعني لا يذُوقون فيها بَرْداً ولا رَوْحاً يُنَفِس عنهم حَرَّ النارِ ، ولا شَراباً يُسَكِّن مِنْ عَطَشِهم ، ولكنْ يَذُوقون فيها حميماً وغَسَّاقاً " .

قلت : ومكيٌّ لَمَّا جَعَله منقطعاً جعل البَرْدَ عبارةً عن النومِ ، قال : " فإن جَعَلْتَه النومَ كان " حميماً " استثاءً ليس من الأول " . وإنما الذي حَمَلَ الزمخشريُّ على الانقطاع مع صِدْقِ اسم الشرابِ على الحميمِ والغَسَّاقِ وَصْفُه له بقولِه " ولا شَراباً يُسَكِّنُ مِنْ عَطَشِهم " فبهذا القَيْدِ صار الحميمُ ليس من جنسِ هذا الشراب . وإطلاقُ البَرْدِ على النوم لغةُ هُذَيْلٍ . وأنشد :

فإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّساءَ سواكمُ *** وإنْ شِئْتِ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولا بَرْداً

وفي كلامِ بعضِ الأعراب " مَنَعَ البَرْدُ البَرْدَ " قيل : وسُمِّي بذلك لأنه يقطعُ سَوْرةَ العطشِ . والذَّوْقُ على هذين القولين أعني كونَه رَوْحاً يُنَفِّسُ عنهم الحَرَّ ، وكونَه النومَ مجازٌ . وأمَّا على قولِ مَنْ جعله اسماً للشرابِ الباردِ المُسْتَلَذُّ ، ويُعْزَى لابنِ عباس ، وأنشد قولَ حَسَّانَ رضي الله عنه :

يَسْقُونَ مْن وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ *** بَرْداً يُصَفِّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ

وقول الآخر :

أَمانِيُّ مِنْ سُعْدَى حِسانٌ كأنَّما *** سَقَتكَ بها سُعْدى على ظَمَأ بَرْدا

فالذَّوْقُ حقيقةٌ ، إلاَّ أنه يصير فيه تَكْرارٌ بقولِه بعد ذلك : " ولا شراباً " .

الثالث : أنه بدلٌ مِنْ قولِه " ولا شراباً " ، وهو الأحسنُ لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ . وتقدَّم خلافُ القُراء في { وَغَسَّاقاً } تخفيفاً وتثقيلاً ، والكلامُ عليه وعلى حميم .