قوله : { كِذَّاباً } : قرأ العامَّةُ كِذَّاباً بتشديدِ الذَّالِ . وكان مِنْ حَقِّ مصدرِ فَعَّل أَنْ يأتيَ على التفعيل نحو : صَرَّف تَصْريفاً . قال الزمخشري : " وفِعَّال في باب فَعَّلَ كلِّه فاشٍ في كلامِ فصحاءَ مِنْ العرب ، لا يقولون غيرَه . وسَمِعَني بعضُهم أُفَسِّرُ آية ، فقال : " لقد فَسَّرْتَها فِسَّاراً ما سُمِعَ بمثِله " . قال غيرُه : وهي لغةُ بعضِ العرب يمانيةٌ ، وأنشد :
لقد طالَ ما ثَبَّطْتَني عن صَحابتي *** وعن حاجةٍ قِضَّاؤُها مِنْ شِفائِيا
يريد : تَقَضِّيْها . والأصلُ على التَّفْعيل ، وإنَّما هو مثلُ : زَكَّى تَزْكِية . وسُمع بعضُهم يَسْتَفْتي في حَجِّه ، فقال : " آلحَلْقُ أحَبُّ إليك أم القِصَّار " يريد التقصيرَ " .
وقرأ علي رضي الله عنه والأعمش وأبو رجاء وعيسى البصرة بالتخفيف ، وهو مصدرٌ : إمَّا لهذا الفعل الظاهرِ على حَذْفِ الزوائِد ، وإمَّا لفعلٍ مقدَّرٍ ك { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] . قال الزمخشري : وهو مثلُ قولِه : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً } يعني : وكَذَّبوا بآياتِنا فكَذَبوا كِذاباً ، أو تَنْصِبُه ب " كَذَّبوا " ؛ لأنَّه يتضمَّنُ معنى كَذَبوا ؛ لنَّ كلَّ مُكَذِّبٍ بالحقِّ كاذبٌ ، وإنْ جَعَلْتَه بمعنى المكاذَبَةِ فمعناه : وكذَّبوا بآياتِنا فكاذَبوا مُكاذَبَةً ، أو كَذَّبوا بها مُكاذِبين ؛ لأنَّهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين ، وكان المسلمون عندهم كاذبين ، فبَينهم مكاذَبَةٌ ، أو لأنهم يتكلَّمون بما هو إفراطٌ في الكذبِ ، فِعْلَ مَنْ يغالِبُ في أمرٍ فيَبْلُغُ فيه أقصى جُهْدِه " . وقال أبو الفضل : " وذلك لغةٌ لليمينِ ، وذلك بأَنْ يَجعلوا مصدرَ " كَذَب " مخففاً " كِذاباً " . بالتخفيف ، مثل : كَتَبَ كِتاباً ، فصار المصدرُ هنا مِنْ معنى الفِعْلٍ دونَ لفظِه مثلَ : أَعْطَيْته عَطاءً . قلت : أمَّا كَذَبَ كِذاباً بالتخفيف فيهما فمشهورٌ ، ومنه قولُ الأعشى :
فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُها *** والمَرْءُ يَنْفَعُه كِذابُه
وقرأ عمر بن عبد العزيز والماجشون " كُذَّاباً " بضمِّ الكاف وشدِّ الذال ، وفيها وجهان ، أحدُها : أنه جمع كاذِب نحر : ضُرَّاب في ضارب . وانتصابُه على هذا على الحالِ المؤكِّدة ، أي : وكَذَّبوا في حالِ كونِهم كاذبين . والثاني : أنَّ الكُذَّاب بمعنى الواحدِ البليع في الكذب . يقال : رجلٌ كُذَّاب كقولِك : " حُسَّان " فيُجْعَلُ وصفاً لمصدر كَذَّبوا ، أي : تَكْذيباً كُذَّاباً مُفْرِطاً كَذِبُه ، قالهما الزمخشري .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.