الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا} (23)

قوله : { لاَّبِثِينَ } : منصوبٌ على الحالِ من الضميرِ المستترِ في " للطَّاغِين " وهي حالٌ مقدرةٌ . وقرأ حمزةُ " لَبِثِيْنَ " دونَ ألفٍ ، والباقون " لابِثين " بها . وضَعَّفَ مكيٌّ قراءةَ حمزةَ ، قال : " ومَنْ قرأ " لبِثين " ، شَبَّهه بما هو خِلْقَةٌ في الإِنسان نحو : حَذِر وفَرِق ، وهو بعيدٌ ؛ لأنَّ اللُّبْثَ ليس مِمَّا يكونُ خِلْقَةً في الإِنسان ، وبابُ فَعِل إنما هو لِما يكونُ خِلْقَةً في الإِنسانِ ، وليس اللُّبْثُ بخِلْقةٍ " . ورَجَّح الزمخشريُّ قراءةَ حمزةَ فقال : " قُرِىءَ : لابِثين ولَبِثين . والَّلبِثُ أَقْوى " ؛ لأنَّ اللابِثَ يُقال لِمَنْ وجِدَ منه الُّلبْثُ ، ولا يُقال : لِبثٌ إلاَّ لمَنْ شأنُه الُّلبْثُ كالذي يَجْثُمُ بالمكانِ ، لا يكاد يَنْفَكُّ منه " . قلت : وما قاله الزمخشريُّ أَصْوَبُ . وأمَّا قولُ مكيّ : الُّلبْثُ ليس خِلْقَةً فمُسَلَّمٌ ؛ لكنه بُوْلِغَ في ذلك فجُعِلَ بمنزلةِ الأشياءِ الخِلْقيَّة .

قوله : { أَحْقَاباً } منصوبٌ على الظرفِ ، وناصبهُ " لا بثين " ، هذا هو المشهورُ . وقيل : هو منصوبٌ بقولِه " لا يَذُوقون " وهذا عند مَنْ يرى تقديمَ معمولِ ما بعد " لا " عليها ، وهو أحدُ الأوجه ، وقد تقدَّم هذا مستوفىً في أواخر الفاتحة . وجَوَّز الزمخشريُّ أَنْ ينتصِبَ على الحالِ ، قال : " وفيه وجهٌ آخر : وهو أَنْ يكونَ مِنْ حَقِبَ عامُنا : إذا قَلَّ مطرُه وخيرُه ، وحَقِبَ فلانٌ : إذا أَخْطَأَهُ الرِّزْقُ فهو حَقِبٌ ، وجمعهُ أَحْقاب ، فينتصِبُ حالاً عنهم بمعنى : لابثين فيها حَقِبين جَحِدين " . وقد تقدَّم الكلامُ على " الحُقُب " ، وما قيل فيه في سورة الكهف .