فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَّا حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا} (25)

{ إلا حميما } هو الماء الحار { وغساقا } هو صديد أهل النار ، وقيل هو ماء يسيل من صديد أهل النار ، والاستثناء منقطع عند من جعل البرد النوم ، وبه قال الزمخشري ، ويجوز أن يكون متصلا من قوله : { ولا شرابا } وبه قال أبو حيان ، وقضية كلام الكواشي تجويز الأمرين ، وقيل أنه بدل من { شرابا } وهو الأحسن لأن الكلام غير موجب .

وقال مجاهد والسدي وأبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي : البرد المذكور في هذه الآية النوم ، قال الزجاج : أي لا يذوقون فيها برد ريح ولا ظل ولا نوم ، فجعل البرد يشمل هذه الأمور ، وإطلاق البرد على النوم لغة هذيل وسمي بذلك لأنه يقطع سورة العطش ، ألا ترى أن العطشان إذا نام سكن عطشه ولأنه يقطع يبرد صاحبه ، والعرب تقول منع البرد البرد يعني أذهب البرد النوم .

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم : " سئل هل في الجنة نوم فقال : لا ، النوم أخو الموت والجنة لا موت فيها " وكذلك النار وقد قال تعالى : { لا يقضي عليهم فيموتوا } وقيل البرد برد الشراب ، والشراب الماء ، وجعل الزجاج البرد برد كل شيء له راحة ، وهذا ينفعهم . فأما الزمهرير فهو برد يتأذون به فلا ينفعهم فلهم منه من العذاب ما الله أعلم به ، وقال الحسن وعطاء وابن زيد بردا أي روحا وراحة .

قرأ الجمهور غساقا بالتخفيف ، وقرأ حمزة والكسائي بتشديد السين وهما سبعيتان ، وقد تقدم تفسيره وتفسير الحميم والخلاف فيهما في سورة ( ص ) .

عن ابن مسعود قال زمهرير جهنم يكون لهم من العذاب لأن الله يقول لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما ، قال قد انتهى حره ، وغساقا قد انتهى حره ، وأن الرجل إذا أدنى الإناء من فيه سقط فروة وجهه حتى يبقى عظاما تقعقع .