اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا} (25)

قوله : { إِلاَّ حَمِيماً } . يجوز أن يكون استثناء متَّصلاً من قوله : «شراباً » ، ويجوز أن يكون مُنْقَطِعاً .

قال الزمخشري : «يعني لا يَذُوقُون فيها برداً ، ولا روحاً ينفس عنهم حر النَّار «ولا شراباً » يسكن من عطشهم ، ولكن يذوقون فيها حميماً وغسَّاقاً » .

قال شهاب الدين{[59144]} : «ومكي لمَّا جعله منقطعاً جعل البرد عبارة عن النوم ، قال : فإن جعلته النوم كان «إلا حميماً » استثناء ليس من الأول » .

وإنَّما الذي حمل الزمخشري على الانقطاع مع صدق الشراب على الحميم والغسَّاق ، وصفة له بقوله : «ولا شراباً يسكن من عطشهم » فبهذا القيد صار الحميمُ ليس من جنس هذا الشراب ؛ وإطلاق البردِ على النوم لغة هذيل ، وأنشد البيت المتقدم .

وقول العرب : منع البرد ، قيل : وسمي بذلك لأنه يقطع سورة العطش ، والذوق على هذين القولين مجاز ، أعني : كونه روحاً ينفس عنهم الحر ، وكونه النوم مجاز ، وأمَّا على قوله من جعله اسماً للشراب الباردِ المستلذّ كما تقدَّم عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنشد قول حسان رضي الله عنه : [ الكامل ]

5077- يَسْقُون مَنْ ورَدَ البَريصَ عَليْهِمُ *** بَرَدى تُصفِّقُ بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ{[59145]}

قال ابنُ الأثيرِ : البريص : الماء القليل ، والبرصُ : الشيء القليل ؛ وقال الآخر : [ الطويل ]

5078- أمَانيَّ مِنْ سُعْدى حِسانٌ كأنَّما *** سَقتْكَ بِهَا سُعْدَى عَلى ظَمَإٍ بَرْدَا{[59146]}

والذوق حقيقة ، إلا أنه يصير فيه تكرار بقوله بعد ذلك «ولا شراباً » .

الثالث : أنَّه بدلٌ من قوله : «وَلا شَراباً » وهو الأحسنُ ؛ لأن الكلام غير موجب .

قال أبو عبيدة : الحَمِيمُ : الماءُ الحارّ .

وقال ابن زيد : دموع أعينهم تجمع في حياض ، ثم يسقونه .

وقال النحاس : أصل الحميمِ الماءُ الحار ، ومنه اشتقَّ الحمَّام ، ومنه الحُمَّى ومنه ظل من يحموم ، إنَّما يراد به النهاية في الحر ، والغسَّاق : صديد أهل النار وقيحهم .

وقيل : الزَّمهرير ، وتقدم خلاف القرَّاء في «غسَّاقاً » والكلام عليه وعلى «حَمِيم » .

قال أبو معاذ : كنت أسمع مشايخنا يقولون : الغسَّاقُ : فارسية معربةٌ ، يقولون للشيء الذي يتقذرونه : خاشاك .


[59144]:ينظر الدر المصون 6/465.
[59145]:ينظر ديوانه ص 122، وجمهرة اللغة ص 312، وخزانة الأدب 4/381، 382، 384، 11/188، والدرر 5/38)، وشرح المفصل 3/25، ولسان العرب (برد)، (برص)، و(صفق)، ومعجم ما استعجم ص 240، وأمالي ابن الحاجب 1/451، وشرح الأشموني 2/324، وهمع الهوامع 2/51، والطبري 3/67، ومجمع البيان 10/691، والبحر المحيط 8/405، والدر المصون 6/465.
[59146]:ينظر اللسان (سعد)، والبحر 8/406، والدر المصون 6/465.