البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

وانتصاب خالدين على أنها حال مقدرة ، وما مصدرية ظرفية أي : مدة دوام السموات والأرض ، والمراد بهذا التوقيت التأييد كقول العرب : ما أقام ثبير وما لاح كوكب ، وضعت العرب ذلك للتأييد من غير نظر لفناء ثبير أو الكوكب ، أو عدم فنائهما .

وقيل : سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة لا بد ، يدل على ذلك { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات } وقوله : { وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء } ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلمهم ، إما سماء يخلقها الله ، أو يظلهم العرش وكلما أظلك فهو سماء .

وعن ابن عباس : إن السموات والأرض في الآخرة يردان إلى النور الذي أخذتا منه ، فهما دائمتان أبداً في نور العرش .

والظاهر أنّ قوله : إلا ما شاء ربك استثناء من الزمان الدال عليه قوله : خالدين فيهما ما دامت السموات والأرض .

والمعنى : إلا الزمان الذي شاءه الله تعالى ، فلا يكون في النار ، ولا في الجنة ، ويمكن أن يكون هذا الزمان المستثنى هو الزمان الذي يفصل الله بين الخلق يوم القيامة ، إذا كان الاستثناء من الكون في النار والجنة ، لأنه زمان يخلو فيه الشقي والسعيد من دخول النار أو الجنة .

وأما إن كان الاستثناء من الخلود فيمكن ذلك بالنسبة إلى أهل النار ، ويكون الزمان المستثنى ، هو الزمان الذي فات أهل النار العصاة من المؤمنين الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة ، فليسوا خالدين في النار إذ قد أخرجوا منها وصاروا في الجنة ، وهذا روى معناه عن قتادة والضحاك وغيرهما ، ويكون الذين شقوا شاملاً للكفار وعصارة المسلمين .