البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ} (3)

القصص : مصدر قص ، واسم مفعول إما لتسميته بالمصدر ، وأما لكون الفعل يكون للمفعول ، كالقبض والنقص .

والقصص هنا يحتمل الأوجه الثلاثة .

فإن كان المصدر فالمراد بكونه أحسن أنه اقتص على أبدع طريقة ، وأحسن أسلوب .

ألا ترى أنّ هذا الحديث مقتص في كتب الأولين ، وفي كتب التواريخ ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقارباً لاقتصاصه في القرآن ، وإن كان المفعول فكان أحسنه لما يتضمن من العبر والحكم والنكت والعجائب التي ليس في غيره .

والظاهر أنه أحسن ما يقص في بابه كما يقال للرجل : هو أعلم الناس وأفضلهم ، يراد في فنه .

وقيل : كانت هذه السورة أحسن القصص لانفرادها عن سائرها بما فيها من ذكر الأنبياء ، والصالحين ، والملائكة ، والشياطين ، والجن ، والإنس ، والأنعام ، والطير ، وسير الملوك ، والممالك ، والتجار ، والعلماء ، والرجال ، والنساء وكيدهن ومكرهن ، مع ما فيها من ذكر التوحيد ، والفقه ، والسير ، والسياسة ، وحسن الملكة ، والعفو عند المقدرة ، وحسن المعاشرة ، والحيل ، وتدبير المعاش ، والمعاد ، وحسن العاقبة ، في العفة ، والجهاد ، والخلاص من المرهوب إلى المرغوب ، وذكر الحبيب والمحبوب ، ومرأى السنين وتعبير الرؤيا ، والعجائب التي تصلح للدين والدنيا .

وقيل : كانت أحسن القصص لأنّ كل من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة .

انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته وامرأة العزيز والملك أسلم بيوسف وحسن إسلامه .

ومعبر الرؤيا الساقي ، والشاهد فيما يقال .

وقيل : أحسن هنا ليست أفعل التفضيل ، بل هي بمعنى حسن ، كأنه قيل : حسن القصص ، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي : القصص الحسن .

وما في بما أوحينا مصدرية أي : بإيحائنا .

وإذا كان القصص مصدراً فمفعول نقص من حيث المعنى هو هذا القرآن ، إلا أنه من باب الإعمال ، إذ تنازعه نقص .

وأوحينا فاعمل الثاني على الأكثر ، والضمير في من قبله يعود على الإيحاء .

وتقدمت مذاهب النحاة في أن المخففة ومجيء اللام في ثاني الجزءين .

ومعنى من الغافلين : لم يكن لك شعور بهذه القصة ، ولا سبق لك علم فيها ، ولا طرق سمعك طرف منها .

والعامل في إذ قال الزمخشري وابن عطية : اذكر .

وأجاز الزمخشري أن تكون بدلاً من أحسن القصص قال : وهو بدل اشتمال ، لأن الوقت يشتمل على القصص وهو المقصوص ، فإذا قص وقته فقد قص .

وقال ابن عطية : ويجوز أن يعمل فيه نقص كان المعنى : نقص عليك الحال ، إذ وهذه التقديرات لا تتجه حتى تخلع إذ من دلالتها على الوقت الماضي ، وتجرد للوقت المطلق الصالح للأزمان كلها على جهة البدلية .

وحكى مكي أنّ العامل في إذ الغافلين ، والذي يظهر أن العامل فيه قال : يا بني ، كما تقول : إذ قام زيد قام عمر ، وتبقى إذ على وضعها الأصلي من كونها ظرفاً لما مضى .

ويوسف اسم عبراني ، وتقدمت ست لغات فيه .

ومنعه الصرف دليل على بطلان قول من ذهب إلى أنه عربي مشتق من الأسف ، وإن كان في بعض لغاته يكون فيه الوزن الغالب ، لامتناع أن يكون أعجمياً غير أعجمي .

وقرأ طلحة بن مصرف بالهمز وفتح السين .