السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ} (118)

{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة } ، أي : أهل ملة واحدة وهي الإسلام كقوله تعالى { إنّ هذه أمتكم أمة واحدة } [ الأنبياء ، 92 ] وفي هذه الآية دليل على أنّ الأمر غير الإرادة وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد ، وأن ما أراده يجب وقوعه . والمعتزلة يحملون هذه الآية على مشيئة الإلجاء والإجبار ، ولهذا قال الزمخشري : يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل ملة واحدة { ولا يزالون مختلفين } ، أي : على أديان شتى ما بين يهودي ونصراني ومجوسي ومشرك ومسلم ، فكل أهل دين من هذه الأديان اختلفوا في دينهم أيضاً اختلافاً كثيراً لا ينضبط . عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «تفترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة » وفي رواية «ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة فثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة » . والمراد بهذه الفرق : أهل البدع والأهواء كالقدرية والمعتزلة والرافضة . والمراد بالواحدة : هي ملة السنة والجماعة الذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله .

فإن قيل : ما الدليل على أنّ الاختلاف في الأديان فلم لا يجوز أن يحمل على الاختلاف في الألوان والألسنة والأرزاق والأعمال ؟ أجيب : بأنّ الدليل عليه ما قبل هذه الآية وهو قوله تعالى : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة } فيجب حمل الاختلاف على ما يخرجهم من أن يكونوا أمّة واحدة وما بعد هذه الآية وهو قوله تعالى : { إلا من رحم ربك } .