البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (18)

والظاهر أنه لما ضرب هذا المثل للحق والباطل انتقل إلى ما لأهل الحق من الثواب ، وأهل الباطل من العقاب ، فقال : للذين استجابوا لربهم الحسنى ، أي : الذين دعاهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فأجابوا إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه الحالة الحسنى ، وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمة الله ، ودخول الجنة في الآخرة .

فالحسنى مبتدأ ، وخبره في قوله : للذين .

والذين لم يستجيبوا مبتدأ ، خبره ما بعده .

وغاير بين جملتي الابتداء لما يدل عليه تقديم الجار والمجرور في الاعتناء والاهتمام ، وعلى رأي الزمخشري من الاختصاص أي : لهؤلاء الحسنى لا لغيرهم .

ولأن قراءة شيوخنا يقفون على قوله الأمثال ، ويبتدئون للذين .

وعلى هذا المفهوم أعرب الحوفي الحسني مبتدأ ، وللذين خبره ، وفسر ابن عطية وفهم السلف .

قال ابن عباس : جزاء الحسنى وهي لا إله إلا الله .

وقال مجاهد : الحياة الحسنى ما في الطيبة .

وقيل : الجنة لأنها في نهاية الحسنى .

وقيل : المكافأة أضعافاً .

وعلق الزمخشري للذين بقوله يضرب فقال : للذين استجابوا متعلقة بيضرب أي : كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا ، وللكافرين الذين لم يستجيبوا أي : هما مثلاً الفريقين .

والحسنى صفة لمصدر استجابوا أي : استجابوا الاستجابة الحسنى .

وقولهم : لو أن لهم كلام مبتدأ ، ذكر ما أعد لغير المستجيبين انتهى .

والتفسير الأول أولى ، لأنه فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين ، والله تعالى قد ضرب أمثالاً كثيرة في هذين وفي غيرهما ، ولأنه فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف قول الزمخشري ، فكما ذكر ما لغير المستجيبين من العقاب ، ذكر ما للمستجيبين من الثواب .

ولأنّ تقديره الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة ، ومقابلتها ليس نفي الاستجابة مطلقاً ، إنما مقابلها نفي الاستجابة الحسنى ، والله تعالى قد نفى الاستجابة مطلقاً .

ولأنه على قوله يكون قوله : لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ، كلاماً مفلتاً مما قبله ، أو كالمفلت ، إذ يصير المعنى : كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين .

لو أن لهم ما في الأرض ، فلو كان التركيب بحرف رابط لو بما قبلها زال التفلت ، وأيضاً فيوهم الاشتراك في الضمير ، وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوماً لهم .

وأيضاً فقد جاء هذا التركيب ، وتقدم تفسير مثل قوله : لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به ، وسوء الحساب قال ابن عباس : أن لا تقبل حسناتهم ولا تغفر سيئاتهم .

وقال النخعي : وشهد وفرقران يحاسب على ذنوبه كلها ، ويحاسب ويؤاخذ بها من غير أن يغفر له شيء .

وقال أبو الجوزاء : المناقشة .

وقيل : للتوبيخ عند الحساب والتقريع ، وتقدم تفسير مثل { ومأواهم جهنم وبئس المهاد } .