البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

المهطع : المسرع في مشيه .

قال الشاعر :

بمهطع سرح كأن عنانه *** في رأس جذع من أراك مشذب

وقال عمران بن حطان :

إذا دعانا فأهطعنا لدعوته *** داع سميع فلبونا وساقونا

وقال أبو عبيدة : قد يكون الإهطاع الإسراع وإدامة النظر .

المقنع : هو الرافع رأس المقبل ببصره على ما بين يديه ، قاله ابن عرفة والقتبي .

وقال الشاعر :

يباكرن العصاة بمقنعات . . . *** نواجذهن كالحدإ الوقيع

يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر ، ويقال : أقنع رأسه نكسه وطأطأه ، فهو من الأضداد .

قال المبرد : وكونه بمعنى رفع أعرف في اللغة انتهى .

وقيل : منه قنع الرجل إذا رضي ، كأنه رفع رأسه عن السؤال .

وفم مقنع معطوفة أسنانه إليه داخلاً ، ورجل مقنع بالتشديد عليه بيضة الرأس معروف ، ويجمع في القلة على أرؤس .

الطرف : العين .

وقال الشاعر :

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ***حتى يواري جارتي مأواها

ويقال : طرف الرجل طبق جفنه على الآخر ، وسمي الجفن طرفاً لأنه يكون فيه ذلك .

الهواء : ما بين السماء والأرض ، وهو الخلاء الذي لم تشغله الأجرام الكثيفة ، واستعير للجبان فقيل : قلب فلان هواء .

وقال الشاعر :

كأن الرحل منها فوق صعل ***من الظلمات جؤجؤه هواء

مهطعين مسرعين ، قاله : ابن جبير وقتادة .

وذلك بذلة واستكانة كإسراع الأسير والخائف .

وقال ابن عباس ، وأبو الضحى : شديدي النظر من غير أنْ يطرقوا .

وقال ابن زيد : غير رافعي رؤوسهم .

وقال مجاهد : مد يمين النظر .

وقال الأخفش : مقبلين للإصغاء ، وأنشد :

بدجلة دارهم ولقد أراهم . . . ***دجلة مهطعين إلى السماع

وقال الحسن : مقنعي رؤوسهم وجوه الناس يومئذ إلى السماء ، لا ينظر أحد إلى أحد انتهى .

وقال ابن جريج : هواء صفر من الخير خاوية منه .

وقال أبو عبيدة : جوف لا عقول لهم .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد : خربة خاوية ليس فيها خير ولا عقل .

وقال سفيان : خالية إلا من فزع ذلك اليوم كقوله : وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً ، أي : إلا من هم موسى .

وهواء تشبيه محض ، لأنها ليست بهواء حقيقة ، ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة ، فهي منحرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه ، وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور ، وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي حناجرهم ، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبداً في اضطراب .

وحصول هذه الصفات الخمس للظالمين قبل المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله : يوم يقوم الحساب .

وقيل : عند إجابة الداعي ، والقيام من القبور .

وقيل : عند ذهاب السعداء إلى الجنة ، والأشقياء إلى النار .