البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

والتبديل يكون في الذات أي : تزول ذات وتجيء أخرى .

ومنه : { بدلناهم جلوداً غيرها } { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } ويكون في الصفات كقولك : بدلت الحلقة خاتماً ، فالذات لم تفقد لكنها انتقلت من شكل إلى شكل .

واختلفوا في التبديل هنا ، أهو في الذات ، أو في الصفات ، فقال ابن عباس : تمد كما يمد الأديم ، وتزال عنها جبالها وآكامها وشجرها ، وجميع ما فيها حتى تصير مستوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، وتبدل السموات بتكوير شمسها ، وانتثار كواكبها ، وانشقاقها ، وخسوف قمرها .

وقال ابن مسعود : تبدل الأرض بأرض كالفضة نقية لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة .

وقال على تلك الأرض من فضة والجنة من ذهب .

وقال محمد بن كعب وابن جبير : هي أرض من خبز يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم ، وجاء هذا مرفوعاً .

وقيل : تصير ناراً والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها .

وقال أبي : تصير السموات حقاباً .

وقيل : تبديلها طيها .

وقيل : مرة كالمهل ، ومرة وردة كالدهان ، قاله ابن الأنباري .

وقيل : بانشقاقها فلا تظل .

وفي الحديث : « إنّ الله يبدل الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي » وفي كتاب الزمخشري وعن علي : تبدل أرضاً من فضة ، وسموات من ذهب .

وعن الضحاك : أرضاً من فضة بيضاء كالصحائف .

وعن ابن عباس : هي تلك الأرض وإنما تغير ، وأنشد :

وما الناس بالناس الذين عهدتهم . . . ***ولا الدار بالدار التي كنت تعلم

قال ابن عطية : وسمعت من أبي رضي الله عنه روى أن التبديل يقع في الأرض ، ولكنْ تبدل لكل فريق بما يقتضيه حاله ، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه ، وفريق يكونون على فضة إن صح السند بها ، وفريق الكفرة يكونون على نار ونحو هذا ، وكله واقع تحت قدرة الله تعالى .

وفي الحديث : « المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش ، وفيه أنهم ذلك الوقت على الصراط » وقال أبو عبد الله الرازي : المراد من تبديل الأرض والسموات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم ، ويجعل السموات الجنة ، والدليل عليه قوله تعالى : { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين } وقوله : { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } انتهى .

وكلامه هذا يدل على أنّ الجنة والنار غير مخلوقتين ، وظاهر القرآن والحديث أنهما قد خلقتا ، وصح في الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع عليهما ، ولا يمكن أن يطلع عليهما حقيقة إلا بعد خلقهما .

وبرزوا : أي ظهروا .

وألا يواريهم بناء ولا حصن ، وانتصاب يوم على أنه بدل من يوم يأتيهم قاله الزمخشري ، أو معمولا لمخلف وعده .

وإن وما بعدها اعتراض قاله الحوفي .

وقال أبو البقاء : لا يجوز أن يكون ظرفاً فالمخلف ولا لوعده ، لأنّ ما قبل أنْ لا يعمل فيما بعدها ، ولكن جوز أن يلحق من معنى الكلام ما يعمل في الظرف أي : لا يخلف وعده يوم تبدل انتهى .

وإذا كان إن وما بعدها اعتراضاً ، لم يبال أنه فصلاً بين العامل والمعمول ، أو معمولاً لانتقام قاله : الزمخشري ، والحوفي ، وأبو البقاء ، أولاً ذكر قاله أبو البقاء .

وقرئ : نبدل بالنون الأرض بالنصب ، والسموات معطوف على الأرض ، وثم محذوف أي : غير السموات ، حذف لدلالة ما قبله عليه .

والظاهر استئناف .

وبرزوا .

وقال أبو البقاء يجوز أن يكون حالاً من الأرض ، وقد معه مزادة .

ومعنى لله : لحكم الله ، أو لموعوده من الجنة والنار .

وقرأ زيد بن علي : وبرزوا بضم الباء وكسر الراء مشددة جعله مبنياً للمفعول على سبيل التكثير بالنسبة إلى العالم وكثرتهم ، لا بالنسبة إلى تكرير الفعل .

وجيء بهذين الوصفين وهما : الواحد وهو الواحد الذي لا يشركه أحد في ألوهيته ، ونبه به على أنّ آلهتهم في ذلك اليوم لا تنفع .

والقهار وهو الغالب لكل شيء ، وهذا نظير قوله تعالى : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار }