البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ} (18)

الشهاب : شعلة النار ، ويطلق على الكوكب لبريقه شبه بالنار . وقال أبو تمام :

والعلم في شهب الأرماح لامعة -  ***-بين الخميسين لا في السبعة الشهب

وحفظ السماء هو بالرجم بالشهب على ما تضمنته الأحاديث الصحاح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الشياطين تقرب من السماء أفواجاً فينفرد المارد منها فيستمع ، فيرمي بالشهاب فيقول لأصحابه .

وهو يلتهب : إنه الأمر كذا وكذا ، فتزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة فيزيدون على الكلمة مائة كلمة » ونحو هذا الحديث .

وقال ابن عباس : إن الشهب تخرج وتؤذي ، ولا تقتل .

وقال الحسن : تقتل .

وفي الأحاديث ما يدل على أنّ الرجم كان في الجاهلية ولكنه اشتد في وقت الإسلام .

وحفظت السماء حفظاً تاماً .

وعن ابن عباس : كانوا لا يحجبون عن السموات ، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات ، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها .

والظاهر أنّ قوله : إلا من استرق ، استثناء متصل والمعنى : فإنها لم تحفظ منه ، ذكره الزهراوي وغيره والمعنى : أنه سمع من خبرها شيئاً وألقاه إلى الشياطين .

وقيل : هو استثناء منقطع والمعنى : أنها حفظت منه ، وعلى كلا التقديرين فمِن في موضع نصب .

وقال الحوفي : من بدل من كل شيطان ، وكذا قال أبو البقاء : جر على البدل أي : إلا ممن استرق السمع .

وهذا الإعراب غير سائغ ، لأن ما قبله موجب ، فلا يمكن التفريغ ، فلا يكون بدلاً ، لكنه يجوز أن يكون إلا من استرق نعتاً على خلاف في ذلك .

وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون ( من ) في موضع رفع على الابتداء ، و( فأتبعه ) الخبر .

وجاز دخول الفاء من أجل أنّ من بمعنى الذي ، أو شرط انتهى .

والاستراق افتعال من السرقة ، وهي أخذ الشيء بخفية ، وهو أن يخطف الكلام خطفة يسيرة .

والسمع المسموع ، ومعنى مبين : ظاهر للمبصرين .