الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ} (18)

قوله تعالى : { إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ } : فيه خمسةُ أوجهٍ ، أحدُها : في محلِّ نصب على الاستثناءِ المتصلِ ، والمعنى : فإنها لم تُحْفَظْ منه ، قاله غيرُ واحدٍ . والثاني : منقطع ، ومحلُّه النصبُ أيضاً . الثالث : أنه بدلٌ مِنْ { كُلِّ شَيْطَانٍ } فيكون محلُّه الجرَّ ، قاله الحوفي وأبو البقاء . وفيه نظر ؛ لأن الكلامَ موجَبٌ . الرابع : أنه نعتٌ ل { كُلِّ شَيْطَانٍ } ، فيكونُ محلُّه الجرَّ على خلافٍ في هذه المسألة . الخامس : أنه في محلِّ رفعٍ بالابتداء ، وخبرُه الجملةُ مِنْ قولِه " فأَتْبعه " . وإنما دَخَلَتِ الفاءُ لأنَّ " مَنْ " : إمَّا شرطيةٌ ، وإمَّا موصولةٌ مُشَبَّهَةٌ بالشرطية ، قاله أبو البقاء ، وحينئذ يكونُ من بابِ الاستثناء المنقطع .

والشِّهاب : الشٌُّعْلَةُ من النار ، وسُمِّي بها الكوكبُ لِشِدَّة ضوئِه وبَرِيْقِهِ ، ويُجمع على شُهُب في الكثرة ، وأَشْهِبَة . والشُّهْبَةُ : بياضٌ مختلِط بسوادٍ تشبيهاً بالشهاب لاختلاطِه بالدخان ، ومنه كتيبةٌ شَهْباءُ لسوادِ القوم وبياضِ الحديد ، ومِنْ ثَمَّ غَلِط الناسُ في إطلاقهم الشُّهْبَةَ على البياضِ الخالِص .