السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ} (18)

وقوله تعالى : { إلا من استرق السمع } بدل من كل شيطان رجيم . وقيل استثناء منقطع ، أي : لكن من استرق السمع واستراق السمع اختلاسه . قال ابن عباس : يريد الخطفة اليسيرة وذلك أنّ الشياطين يركب بعضهم بعضاً إلى السماء الدنيا يسترقون السمع من الملائكة فيرمون بالكواكب كما قال تعالى : { فأتبعه شهاب مبين } وهو شعلة من نار ساطعة وقد يطلق على الكواكب لما فيها من البريق يشبه شهاب النار فلا يخطئ أحداً فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه أو جنبه أو يده حيث يشاء الله . ومنهم من يخبله فيصير غولاً فيضل الناس في البوادي . روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قضي الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق وهو العليّ الكبير ، فيسمعها مسترقو السمع » ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض . ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدّد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها إلى لسان الساحر أو الكاهن ، وربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مئة كذبة ، فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا فيصدّق بتلك الكلمة التي سمعها من السماء . فإن قيل : إذا جاز أن يسمع الشيطان أخبار الغيوب من الملائكة خرج الإخبار عن المغيبات عن كونه معجزاً دليلاً على الصدق لأنّ كل غيب يخبر عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم قام فيه الاحتمال وحينئذٍ يخرج عن كونه معجزاً دليلاً على الصدق . أجيب : بأنا أثبتنا كون محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بسائر المعجزات ثم بعد العلم بنبوّته نقطع بأنّ الله تعالى أعجز الشياطين عن تلقف الغيب بهذا الطريق وعند ذلك يصير الإخبار عن الغيب معجزاً .