البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (8)

البغل : معروف ، ولعمرو بن بحر الجاحظ كتاب البغال . الحمار : معروف ، يجمع في القلة على أحمر وفي الكثرة على حمر ، وهو القياس وعلى حمير .

ولما ذكر تعالى مننه بالأنعام ومنافعها الضرورية ، ذكر الامتنان بمنافع الحيوان التي ليست بضرورية .

وقرأ الجمهور : والخيل وما عطف عليه بالنصب عطفاً على والأنعام .

وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع .

ولما كان الركوب أعظم منافعها اقتصر عليه ، ولا يدل ذلك على أنه لا يجوز لكل الخيل ، خلافاً لمن استدل بذلك .

وانتصب وزينة ، ولم يكن باللام ، ووصل الفعل إلى الركوب بوساطة الحرف ، وكلاهما مفعول من أجله ، لأن التقدير : خلقها ، والركوب من صفات المخلوق لهم ذلك فانتفى شرط النصب ، وهو : اتحاد الفاعل ، فعدي باللام .

والزينة من وصف الخالق ، فاتحد الفاعل ، فوصل الفعل إليه بنفسه .

وقال ابن عطية : وزينة نصب بإضمار فعل تقديره : وجعلناها زينة .

وروى قتادة عن ابن عباس : لتركبوها زينة بغير واو .

قال صاحب اللوامح : والزينة مصدر أقيم مقام الاسم ، وانتصابه على الحال من الضمير في خلقها ، أو من لتركبوها .

وقال الزمخشري : أي وخلقها زينة لتركبوها ، أو يجعل زينة حالاً من هاء ، وخلقها لتركبوها وهي زينة وجمال .

وقال ابن عطية : والنصب حينئذ على الحال من الهاء في تركبوها .

والظاهر نفي العلم عن ذوات ما يخلق تعالى ، فقال الجمهور : المعنى ما لا تعلمون من الآدميين والحيوانات والجمادات التي خلقها كلها لمنافعكم ، فأخبرنا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به ، لنزداد دلالة على قدرته بالإخبار ، وإنْ طوى عنا علمه حكمة له في طيه ، وما خلق تعالى من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمه بشر .

وقال قتادة : ما لا تعلمون ، أصل حدوثه كالسوس في النبات والدود في الفواكه .

وقال ابن بحر : لا تعلمون كيف يخلقه .

وقال مقاتل : هو ما أعد الله لأوليائه في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

قال الطبري : وزاد بعد في الجنة وفي النار لأهلها ، والباقي بالمعنى .

ورويت تفاسير في : ما لا تعلمون في الحديث عن ابن عباس ، ووهب بن منبه ، والشعبي ، الله أعلم بصحتها .